للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: ينكر عليه مقالته التي يقولها في الدنيا، ويقرعه بما صار إليه من العذاب والنكال، وكذا (١) تقرعهم الملائكة يقولون لهم: ﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الطور: ١٤ - ١٦] وكذلك قرع رسولُ الله قتلى القليب يوم بدر، فنادى: "يا أبا جهل بن هشام، ويا عتبة بن ربيعة، ويا شيبة بن ربيعة -وسمى رءوسهم-: هل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا". وقال (٢) عمر: يا رسول الله، تخاطب قومًا قد جَيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكن لا يستطيعون أن يجيبوا". (٣)

وقوله: (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) أي: أعلم معلم ونادى مُنَاد: (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) أي: مستقرة عليهم.

ثم وصفهم بقوله: (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا) أي: يصدون الناس عن اتباع سبيل الله وشرعه وما جاءت به الأنبياء، ويبغون أن تكون السبيل معوجة غير مستقيمة، حتى لا يتبعها أحد. (وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ) أي: وهم بلقاء الله في الدار الآخرة كافرون، أي: جاحدون مكذبون بذلك لا يصدقونه ولا يؤمنون به. فلهذا لا يبالون بما يأتون من منكر من القول والعمل؛ لأنهم لا يخافون حسابًا عليه، ولا عقابًا، فهم شر الناس أعمالا وأقوالا.

﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ (٤٦) وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)

لما ذكر تعالى مخاطبة أهل الجنة مع أهل النار، نَبَّه أن بين الجنة والنار حجابًا، وهو الحاجز المانع من وصول أهل النار إلى الجنة.

قال ابن جرير: وهو السور الذي قال الله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الحديد: ١٣] وهو الأعراف الذي قال الله تعالى: (وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ)

ثم روي بإسناده عن السدي أنه قال في قوله [تعالى] (٤) (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) وهو "السور"، وهو "الأعراف".


(١) في م: "وكذلك".
(٢) في ك، م: "فقال".
(٣) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٩٨٠) ومسلم في صحيحه برقم (٩٣٢) من حديث عبد الله بن عمر، .
(٤) زيادة من ك.