للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شرب منه خلد، ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي. فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي ﴿فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ فانطلقا فلما جاوز مُنْقَلَبَه قال: موسى لفتاه: (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) قال الفتى -وذكر-: (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا).

قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حتى إذا انتهيا إليها، فإذا رجل متلفف في كساء له، فسلم موسى، فردّ عليه العالم ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لَشُغل؟. قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدًا ﴿قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا﴾ وكان رجلا يعلم علم الغيب قد عُلِّم ذلك -فقال موسى: بلى. قال: ﴿وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا﴾؟ أي: إنما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم. ﴿قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا﴾ وإن رأيتُ ما يخالفني، قال: ﴿فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ﴾ [وإن أنكرته] (١) ﴿حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرّضان الناس، يتلمسان (٢) من يحملهما، حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة، لم يمرّ بهما من السفن أحسن ولا أكمل ولا أوثق منها. فسألا أهلها أن يحملوهما، فحملوهما (٣)، فلما اطمأنا فيها وَلجّجَت بهما مع أهلها، أخرج منقارًا له ومطرقة، ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها. ثم أخذ لوحًا فطبقه عليها، ثم جلس عليها يرقعها، فقال: له موسى -ورأى أمرًا أفظع به-: ﴿أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ﴾ أي: بما تركت من عهدك، ﴿وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا﴾. ثم خرجا (٤) من السفينة فانطلقا، حتى أتيا (٥) أهل قرية، فإذا غلمان يلعبون خلفها، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أثرى (٦) ولا أوضأ (٧) منه، فأخذه بيده، وأخذ (٨) حجرًا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله، قال: فرأى موسى أمرًا فظيعًا لا صبر عليه، صبي صغير قتله لا ذنب له (٩) قال: ﴿أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً﴾ (١٠) أي: صغيرة ﴿بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا * قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي (١١) عُذْرًا﴾ أي: قد أعْذرتَ (١٢) في شأني. ﴿فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾، فهدمه ثم قعد يبنيه، فضجر موسى مما يراه (١٣) يصنع من التكليف، وما ليس عليه صبر، قال: ﴿لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾ أي: قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يُضَيّفونا، ثم قعدت تعمل من غير صنيعة، ولو شئت لأعطيت عليه أجرًا في عمله؟. قال: ﴿هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا﴾ -وفي قراءة أبيّ بن كعب: "كل سفينة صالحة" -وإنما عبتها (١٤) لأرده عنها، فسلمت (١٥) حين رأى


(١) زيادة من ف، أ، والطبري.
(٢) في ف، أ: "يلتمسان".
(٣) في ت: "فحملوها".
(٤) في ت: "خرجاه".
(٥) في ف، أ: "حتى إذا أتيا".
(٦) في ف، أ: "ولا أبرأ".
(٧) في أ: "ولا أضوأ".
(٨) في ف: "فأخذ".
(٩) في ف: "عليه".
(١٠) في أ: "زاكية".
(١١) في ف: "قد بلغت منى". وهو خطأ.
(١٢) في ت: "عددت"، وفي أ: "عذرت".
(١٣) في أ: "رآه".
(١٤) في أ: "عيبتها".
(١٥) في ف: "فسلمت منه".