للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الضحاك عن ابن عباس: جعل الإنسان إنسانًا، والحمار حمارًا، والشاة شاةً.

وقال ليث بن أبي سُلَيم، عن مجاهد: أعطى كل شيء صورته.

وقال ابن أبي نَجِيح، عن مجاهد: سَوّى خلق كل دابة.

وقال سعيد بن جبير في قوله: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) قال: أعطى كل ذي خَلْق ما يصلحه من خَلْقه، ولم يجعل للإنسان من خَلْق الدابة، ولا للدابة من خلق الكلب، ولا للكلب (١) من خلق الشاة، وأعطى كل (٢) شيء ما ينبغي له من النكاح، وهيّأ كلّ شيء على ذلك، ليس شيء منها يشبه شيئًا من أفعاله (٣) في الخَلْق والرزق والنكاح.

وقال بعض المفسرين: (أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى﴾ [الأعلى: ٣] أي: قدر قدرًا، وهدى الخلائق إليه، أي: كَتَب الأعمال والآجال والأرزاق، ثم الخلائق ماشون على ذلك، لا يحيدون عنه، ولا يقدر أحد على الخروج منه. يقول: ربنا الذي خلق [الخلق] (٤) وقدر القَدَر، وجَبَل الخليقة على ما أراد.

(قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى) أصح الأقوال في معنى ذلك: أن فرعون لما أخبره موسى بأن ربه الذي أرسله هو الذي خلق ورزق وقدر فهدى، شرع يحتج بالقرون الأولى، أي: الذين لم يعبدوا الله، أي: فما بالهم إذا كان الأمر كما تقول، لم يعبدوا ربك (٥) بل عبدوا غيره؟

﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى (٥٢)﴾.

فقال له موسى في جواب ذلك: هم وإن لم يعبدوه فإن عملهم (٦) عند الله مضبوط عليهم، وسيجزيهم بعملهم في كتاب الله، وهو اللوح المحفوظ وكتاب الأعمال، (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) أي: لا يشذ عنه (٧) شيء، ولا يفوته صغير ولا كبير، ولا ينسى شيئًا. يصف علمه تعالى بأنه بكل شيء محيط، وأنه لا ينسى شيئًا، وتقدس، فإن علم المخلوق يعتريه نقصانان (٨) أحدهما: عدم الإحاطة بالشيء، والآخر نسيانه بعد علمه، فنزه نفسه عن ذلك.

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (٥٣) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُولِي النُّهَى (٥٤) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (٥٥) وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (٥٦)﴾.

هذا من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه، ﷿، حين سأله فرعون عنه، فقال: ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾، ثم اعترض الكلام بين ذلك، ثم قال: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مِهَادًا)


(١) في أ: "ولا للخلق".
(٢) في ف، أ: "كل ذي".
(٣) في ف: "من فعاله".
(٤) زيادة من ف، أ.
(٥) في ف، أ: "لم يعبدوه".
(٦) في ف، أ: "علمهم".
(٧) في ف: "عليه".
(٨) في ف، أ: "نقصان".