للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (٨٧) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (٨٨)﴾.

هذه القصة مذكورة هاهنا وفي سورة "الصافات" وفي سورة "ن" (١) وذلك أن يونس بن مَتَّى، ، بعثه الله إلى أهل قرية "نينوى"، وهي قرية من أرض الموصل، فدعاهم إلى الله، فأبوا عليه وتمادوا على كفرهم، فخرج من بين أظهرهم مغاضبا لهم، ووعدهم بالعذاب بعد ثلاث. فلما تحققوا منه ذلك، وعلموا أن النبي لا يكذب، خرجوا إلى الصحراء بأطفالهم وأنعامهم ومواشيهم، وفرقوا بين الأمهات وأولادها، ثم تضرعوا إلى الله ﷿، وجأروا (٢) إليه، ورغت الإبل وفُضْلانها، وخارت البقر وأولادها، وثغت الغنم وحُمْلانها، فرفع الله عنهم العذاب، قال الله تعالى: ﴿فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ (٣) الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يونس: ٩٨].

وأما يونس، ، فإنه ذهب فركب مع قوم في سفينة فَلَجَّجت بهم، وخافوا أن يغرقوا (٤). فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس، فأبوا (٥) أن يلقوه، ثم أعادوا القرعة فوقعت عليه أيضًا، فأبوا، ثم أعادوها فوقعت عليه أيضًا، قال الله تعالى: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ﴾ [الصافات: ١٤١]، أي: وقعت عليه القرعة (٦)، فقام يونس، ، وتجرد من ثيابه، ثم ألقى نفسه في البحر، وقد أرسل الله، ، من البحر الأخضر -فيما قاله ابن مسعود-حوتًا يشق البحار، حتى جاء فالتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، وأوحى الله إلى ذلك الحوت ألا تأكل له لحمًا، ولا تهشم له عظما؛ فإن يونس ليس لك رزقا، وإنما بطنك له يكون سجنًا.

وقوله: (وَذَا النُّونِ) يعني: الحوت، صحت الإضافة إليه بهذه النسبة.

وقوله: (إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا): قال الضحاك: لقومه، (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) [أي: نضيق عليه في بطن الحوت. يُروَى نحو هذا عن ابن عباس، ومجاهد، والضحاك، وغيرهم، واختاره (٧) ابن جرير، واستشهد عليه بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٧].

وقال عطية العَوفي: (فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ) (٨)، أي: نقضي عليه، كأنه جعل ذلك بمعنى التقدير، فإن العرب تقول: قدَر وقَدّر بمعنى واحد، وقال الشاعر:


(١) سورة الصافات الآيات: (١٣٩ - ١٤٨)، وسورة نون (القلم) الآيات: (٤٨ - ٥٠).
(٢) في ت: "ولجؤوا".
(٣) في ت: "العذاب".
(٤) في ت، ف: "تغرق بهم".
(٥) في ت: "فأتوا".
(٦) في ف: "فوقعت القرعة عليه".
(٧) في ت: "واختارهم".
(٨) زيادة من ت، ف، أ.