للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المشهور.

وقال موسى بن عُقْبة وغيره كانت في سنة أربع.

وكان سبب قدوم الأحزاب أن نفرًا من أشراف يهود بني النضير، الذين كانوا قد أجلاهم رسول الله من المدينة إلى خيبر، منهم: سلام بن أبي الحُقَيْق، وسلام بن مِشْكَم، وكنانة بن الربيع، خرجوا إلى مكة واجتمعوا بأشراف قريش، وأَلّبوهم على حرب رسول الله (١) ووعدوهم من أنفسهم النصر والإعانة. فأجابوهم إلى ذلك، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم فاستجابوا لهم أيضا. وخرجت قريش في أحابيشها، ومن تابعها، وقائدهم أبو سفيان صخر بن حرب، وعلى غطفان عُيَينة بن حصن بن بدر، والجميع قريب من عشرة آلاف، فلما سمع رسول الله بمسيرهم أمر المسلمين بحفر الخندق حول المدينة مما يلي الشرق (٢)، وذلك بإشارة سلمان الفارسي، فعمل المسلمون فيه واجتهدوا، ونقل معهم رسول الله التراب وحفَر، وكان في حفره ذلك آيات بينات ودلائل واضحات.

وجاء المشركون فنزلوا شرقي المدينة قريبا من أحد، ونزلت طائفة منهم في أعالي أرض المدينة، كما قال الله تعالى: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ)، وخرج رسول الله ، ومن معه من المسلمين، وهم نحو ثلاثة آلاف، وقيل: سبعمائة، وأسندوا (٣) ظهورهم إلى سَلْع ووجوههم إلى نحو العدو، والخندق حفير ليس فيه ماء بينهم وبينهم يحجب الرجالة والخيالة أن تصل إليهم، وجعل النساء والذراري في آطام المدينة، وكانت بنو قريظة -وهم طائفة من اليهود -لهم حصن شرقي المدينة، ولهم عهد من النبي وذمة، وهم قريب من ثمانمائة مقاتل فذهب إليهم حُيَيّ بن أخطب النَّضَري [اليهودي] (٤)، فلم يزل بهم حتى نقضوا العهد، ومالؤوا الأحزاب على رسول الله ، فعَظُم الخَطْب واشتد الأمر، وضاق الحال، كما قال الله تعالى: ﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا﴾.

ومكثوا محاصرين للنبي وأصحابه قريبًا من شهر، إلا أنهم لا يصلون إليهم، ولم يقع بينهم قتال، إلا أن عمرو بن عبد ودّ العامري -وكان من الفرسان الشجعان المشهورين في الجاهلية -ركب ومعه فوارس فاقتحموا الخندق، وخلصوا إلى ناحية المسلمين، فندب رسول الله خيل المسلمين إليه، فلم (٥) يبرز إليه أحد، فأمر عليا فخرج إليه، فتجاولا ساعة، ثم قتله علي، ، فكان علامة على النصر.

ثم أرسل الله عز، وجل، على الأحزاب ريحًا شديدة الهبوب قوية، حتى لم تبق (٦) لهم خيمة ولا شيء ولا تُوقَد لهم نار، ولا يقر لهم قرار حتى ارتحلوا خائبين خاسرين، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا) (٧).

قال مجاهد: وهي الصبا، ويؤيده الحديث الآخر: "نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور".

وقال ابن جرير: حدثني محمد بن المثنى، حدثنا عبد الأعلى، حدثنا داود، عن عِكْرمة قال: قالت


(١) في ف: "النبي".
(٢) في ف: "المشرق".
(٣) في ت، ف: "فأسندوا".
(٤) زيادة من ت.
(٥) في ت، ف: "فيقال".
(٦) في ت: "يبق".
(٧) بعدها في ف: (وجنودا لم تروها).