للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) أي: الأحزاب (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) تقدم عن حذيفة أنهم بنو قريظة، (وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) أي: من شدة الخوف والفزع، (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا).

قال ابن جرير: ظن بعض مَنْ كان مع رسول الله أن الدائرة على المؤمنين، وأن الله سيفعل ذلك (١).

وقال محمد بن إسحاق في قوله: (وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا): ظن المؤمنون (٢) كل ظن، ونجم النفاق حتى قال مُعَتّب (٣) بن قشير -أخو بني عمرو بن عوف -: كان محمد يَعِدُنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر، وأحدنا لا يقدر على أن يذهب إلى الغائط.

وقال الحسن في قوله: (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا): ظنون مختلفة، ظن المنافقون أن محمدا وأصحابه يستأصلون، (٤) وأيقن المؤمنون أن ما وعد الله ورسوله حق، وأنه سيظهره على الدين كله ولو كره المشركون.

وقال (٥) ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن عاصم الأنصاري، حدثنا أبو عامر (ح) وحدثنا أبي، حدثنا أبو عامر العقدي، حدثنا الزبير -يعني: ابن عبد الله، مولى عثمان بن عفان -عن ُرَتْيج بن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، عن أبي سعيد قال: قلنا يوم الخندق: يا رسول الله، هل من شيء نقول، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال : "نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا، وآمن رَوْعاتنا". قال: فضرب وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم بالريح.

وكذا رواه الإمام أحمد بن حنبل، عن أبي عامر العقدي (٦).

﴿هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا (١٢) وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا فِرَارًا (١٣)

يقول تعالى مخبرًا عن ذلك الحال، حين نزلت الأحزاب حول المدينة، والمسلمون محصورون في غاية الجهد والضيق، ورسول الله بين أظهرهم: أنهم ابتُلوا واختُبروا وزلزلوا زلزالا شديدا، فحينئذ ظهر النفاق، وتكلم الذين في قلوبهم مرض بما في أنفسهم.

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا) أما المنافق، فنجم نفاقه، والذي في قلبه شبهة أو


(١) تفسير الطبري (٢١/ ٨٣).
(٢) في ت: "ظن المنون".
(٣) في أ: "معقب".
(٤) في ت: "سيستأصلون".
(٥) في ت: "وروى".
(٦) المسند (٣/ ٣).