للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﷿، يراؤون بأعمالهم، ﴿وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ [النساء: ١٤٢].

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هم المشركون.

والصحيح أنها عامة، والمشركون داخلون بطريق الأولى، ولهذا قال: (لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ)، أي: يفسد ويبطل ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فإنه ما أسر عبد (١) سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله رداءها، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر. فالمرائي لا يروج أمره ويستمر إلا على غبي، أما المؤمنون المتفرسون فلا يروج ذلك عليهم، بل يُكشَف (٢) لهم عن قريب، وعالم الغيب لا تخفى عليه خافية.

وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ) أي: ابتدأ خلق أبيكم آدم من تراب، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا) أي: ذكرًا وأنثى، لطفًا منه ورحمة أن جعل لكم أزواجًا من جنسكم، لتسكنوا إليها.

وقوله: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ) أي: هو عالم بذلك، لا يخفى عليه من ذلك شيء، بل ﴿مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩]. وقد تقدم الكلام على قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ [وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ * عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ] الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ٨، ٩]. (٣)

وقوله: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ) أي: ما يعطى بعض النطف من العمر الطويل يعلمه، وهو عنده في الكتاب الأول، (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ) الضمير عائد على الجنس، لا على العين؛ لأن العين الطويل للعمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره، وإنما عاد الضمير على الجنس.

قال ابن جرير: وهذا كقولهم: "عندي ثوب ونصفه" أي: ونصف آخر.

وروي من طريق العوفي، عن ابن عباس في قوله: (وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، يقول: ليس أحد قضيت له طول عُمُر (٤) وحياة إلا وهو بالغ ما قدرت له من العمر وقد قضيت ذلك له، فإنما ينتهي إلى الكتاب الذي قدرت لا يزاد عليه، وليس أحد قَضَيْتُ له أنه قصير العمر والحياة ببالغ للعمر، ولكن ينتهي إلى الكتاب الذي كتبت له، فذلك قوله: (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، يقول: كل ذلك في كتاب عنده.

وهكذا قال الضحاك بن مزاحم.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه: (وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ) قال: ما لَفَظت الأرحام من الأولاد من غير تمام.


(١) في أ: "أحد".
(٢) في ت، س، أ: "ينكشف".
(٣) زيادة من ت، س، أ، وفي هـ: "إلى قوله".
(٤) في ت، س: "العمر".