للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ونزلت الآيات من آخر "يس".

ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم، عن هُشَيْمٍ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، فذكره ولم يذكر "ابن عباس" (١).

وروي من طريق العوفي، عن ابن عباس قال: جاء عبد الله بن أبي بعظم ففَتَّه وذكر نحو ما تقدم.

وهذا منكر؛ لأن السورة مكية، وعبد الله بن أبي بن سلول إنما كان بالمدينة. وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات نزلت في أُبي بن خلف، أو [في] (٢) العاص [بن وائل]، (٣) أو فيهما، فهي عامة في كل مَنْ أنكر البعث. والألف واللام في قوله: (أَوَلَمْ يَرَ الإنْسَانُ) للجنس، يعم كل (٤) منكر للبعث.

(أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) أي: أولم يستدل مَنْ أنكر البعث بالبدء على الإعادة، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [المرسلات: ٢٠ - ٢٢]. وقال ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ﴾ [الإنسان: ٢] أي: من نطفة من أخلاط متفرقة، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته؟ كما قال (٥) الإمام أحمد في مسنده:

حدثنا أبو المغيرة، حدثنا حَريز، حدثني عبد الرحمن بن مَيْسَرة، عن جُبَيْر بن نفير، عن بُسْر ابن جَحَّاش؛ إن رسول الله بَصق يوما في كفِّه، فوضع عليها أصبعه، ثم قال: "قال الله تعالى: ابن آدم، أنَّى تُعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سَوَّيتك وعَدَلتك، مشيت بين بردَيك وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بَلَغَت التراقي قلت: أتصدقُ وأنَّى أوان الصدقة؟ ".

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حريز بن عثمان، به (٦). ولهذا قال: (وَضَرَبَ لَنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ)؟ أي: استبعد إعادة الله تعالى -ذي القدرة العظيمة التي خلقت (٧) السموات والأرض-للأجساد والعظام الرميمة، ونسي نفسه، وأن الله خلقه من العدم، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده؛ ولهذا قال تعالى: (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) أي: يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها، أين ذهبت، وأين تفرقت وتمزقت.

قال (٨) الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عَوَانة، عن عبد الملك بن عمير، عن رِبْعيّ قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة: ألا تحدثُنا ما سمعتَ من رسول الله ؟ فقال: سمعته يقول: "إن رجلا حضره الموت، فلما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا متّ فاجمعوا لي حَطَبا كثيرًا


(١) تفسير الطبري (٢٣/ ٢١).
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من س.
(٤) في س: "لكل".
(٥) في ت: "كما روى".
(٦) المسند (٤/ ٣١٠) وسنن ابن ماجه برقم (٢٧٠٧) وقال البوصيري في الزوائد (٢/ ٣٦٤): "إسناد حديثه صحيح ورجاله ثقات".
(٧) في أ: "الذي خلق".
(٨) في ت: "روى".