للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

جزَلا ثم أوقدوا فيه نارًا، حتى إذا [أكلت] (١) لحمي وخلَصت إلى عظمي فامتُحِشْتُ، فخذوها فدقوها فَذَروها في اليم. ففعلوا، فجمعه الله إليه فقال له: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك. فغفر الله له". فقال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذلك، وكان نبَّاشا. (٢)

وقد أخرجاه في الصحيحين، من حديث عبد الملك بن عمير، بألفاظ كثيرة (٣) منها: "أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه، ثم يَذْروا نصفه في البر ونصفه في البحر، في يوم رائح، (٤) أي: كثير الهواء -ففعلوا ذلك. فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال له: كن. فإذا هو رجل قائم. فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: مخافتك وأنت أعلم. فما تلافاه أن غفر له".

وقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) أي: الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خَضرًا نَضرًا ذا ثمر ويَنْع، ثم أعاده إلى أن صار حطبًا يابسًا، توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء.

قال قتادة في قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) يقول: الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه.

وقيل: المراد بذلك سَرْح المرخ والعَفَار، ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قَدْح نار وليس معه زناد، فيأخذ منه عودين أخضرين، ويقدح (٥) أحدهما بالآخر، فتتولد النار من بينهما، كالزناد سواء. روي هذا عن ابن عباس، (٦). وفي المثل: (٧) لكل شجر نار، واستمجد المَرْخُ والعَفَار. (٨) وقال الحكماء: في كل شجر نار إلا الغاب. (٩)

﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)

يقول تعالى منبهًا على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع، بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت، والأرضين السبع وما فيها من جبال ورمال، وبحار وقفار، وما بين ذلك، ومرشدًا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة، كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]. وقال هاهنا: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي: مثل البشر، فيعيدهم كما بدأهم. قاله ابن جرير. (١٠)

وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣]،


(١) زيادة من ت، س، والمسند.
(٢) المسند (٥/ ٣٩٥).
(٣) صحيح البخاري برقم (٦٤٨٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٥٦).
(٤) في س، أ: "راح".
(٥) في أ: "فيحك".
(٦) في ت، س: "عنه".
(٧) في أ: "الراجز".
(٨) مجمع الأمثال للميداني برقم (٢٧٥٢).
(٩) في أ: "العتاب".
(١٠) تفسير الطبري (٢٣/ ٢١).