للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ) أي: في الدار الآخرة، فيجازي كلا بعمله؛ ولهذا قال: (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ) أي: خالدين فيها بإسرافهم، وهو شركهم بالله.

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ) أي: سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه، ونصحتكم ووضحت لكم، وتتذكرونه، وتندمون حيث لا ينفعكم الندم، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) أي: وأتوكل على الله وأستعينه، وأقاطعكم وأباعدكم، (إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) أي: هو بصير بهم، فيهدي من يستحق الهداية، ويضل من يستحق الإضلال، وله الحجة البالغة، والحكمة التامة، والقدر النافذ.

وقوله [تعالى] (١): (فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا) أي: في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فنجاه الله مع موسى، ، وأما في الآخرة فبالجنة (وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) وهو: الغرق في اليم، ثم النقلة منه إلى الجحيم. فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساءً إلى قيام الساعة، فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار؛ ولهذا قال: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) أي: أشده ألما وأعظمه نكالا. وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور، وهي قوله: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).

ولكن هاهنا سؤال، وهو أنه لا شك أن هذه الآية مكية، وقد استدلوا بها على عذاب القبر في البرزخ، وقد قال الإمام أحمد:

حدثنا هاشم -هو ابن القاسم أبو النضر-حدثنا إسحاق بن سعيد (٢) -هو ابن عمرو بن سعيد بن العاص-حدثنا سعيد -يعني أباه-عن عائشة؛ أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: وقاك الله عذاب القبر. قالت: فدخل رسول الله عليّ فقلت: يا رسول الله، هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟ قال: "لا وعم ذلك؟ " قالت: هذه اليهودية، لا نصنع إليها شيئا من المعروف إلا قالت: وقاك الله عذاب القبر. قال: "كذبت يهود (٣). وهم على الله أكذب، لا عذاب دون يوم القيامة". ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه، محمرة عيناه، وهو ينادي بأعلى صوته: "القبر كقطع الليل المظلم أيها الناس، لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا وضحكتم قليلا. أيها الناس، استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق" (٤).

وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه.

وروى أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة -قال: سألتها امرأة يهودية فأعطتها، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر. فأنكرت عائشة ذلك، فلما رأت رسول الله قالت له، فقال: "لا". قالت عائشة: ثم قال لنا رسول الله بعد ذلك: "وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم".


(١) زيادة من أ.
(٢) في أ: "سعد".
(٣) في أ: "يهودية".
(٤) المسند (٦/ ٨١).