للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا أيضا على شرطهما (١).

فيقال: فما الجمع بين هذا وبين كون الآية مكية، وفيها الدليل على عذاب البرزخ؟ والجواب: أن الآية دلت على عرض الأرواح إلى النار غدوا وعشيا في البرزخ، وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور، إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح، فأما حصول ذلك للجسد وتألمه بسببه، فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث المرضية الآتي ذكرها.

وقد يقال إن هذه الآية إنما دلت على عذاب الكفار في البرزخ، ولا يلزم من ذلك أن يعذب المؤمن في قبره بذنب، ومما يدل على هذا ما رواه الإمام أحمد:

حدثنا عثمان بن عمر، حدثنا يونس، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة ، أن رسول الله دخل عليها وعندها امرأة من اليهود، وهي تقول: أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم؟ فارتاع رسول الله وقال: "إنما يفتن يهود" قالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله : "أشعرت أنه أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور؟ " وقالت عائشة: سمعت رسول الله بعد يستعيذ من عذاب القبر.

وهكذا رواه مسلم، عن هارون بن سعيد وحرملة، كلاهما عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، به (٢).

وقد يقال: إن هذه الآية دلت على عذاب الأرواح في البرزخ، ولا يلزم من ذلك أن يتصل بالأجساد في قبورها، فلما أوحي إليه في ذلك بخصوصيّته استعاذ منه، والله، ، أعلم.

وقد روى البخاري من حديث شعبة، عن أشعث بن أبي الشعثاء، عن أبيه، عن مسروق، عن عائشة (٣)، ، أن يهودية دخلت عليها فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر (٤). فسألت عائشة (٥) رسول الله عن عذاب القبر؟ فقال: "نعم عذاب القبر حق". قالت عائشة: فما رأيت رسول الله بعدُ صلى صلاة إلا تعوّذ من عذاب القبر (٦).

فهذا يدل على أنه بادر إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر، وقرر عليه. وفي الأخبار المتقدمة: أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي، فلعلهما قضيتان، والله أعلم، وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا.

وقال قتادة في قوله: (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) صباحا ومساء، ما بقيت الدنيا، يقال لهم: يا آل فرعون، هذه منازلكم، توبيخا ونقمة وصَغَارا لهم.

وقال ابن زيد: هم فيها اليوم يُغدَى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة.


(١) المسند (٦/ ٢٣٨).
(٢) المسند (٦/ ٢٤٨) وصحيح مسلم برقم (٥٨٤).
(٣) في ت: "وقد روى البخاري بإسناده من عائشة".
(٤) في ت: "القبور" وفي أ: "وقاك الله من عذاب القبر".
(٥) في ت: "عائشة ".
(٦) صحيح البخاري برقم (١٣٧٢).