للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رؤُُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤) } .

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَحَالِهِمْ حِينَ عَايَنُوا الْبَعْثَ، وَقَامُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ حَقِيرِينَ ذَلِيلِينَ، نَاكِسِي رُؤُوسِهِمْ، أَيْ: مِنَ الْحَيَاءِ وَالْخَجَلِ، يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} (١) أَيْ: نَحْنُ الْآنَ نَسْمَعُ قَوْلَكَ وَنُطِيعُ أَمْرَكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا} [مَرْيَمَ: ٣٨] . وَكَذَلِكَ يَعُودُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْمَلَامَةِ إِذَا (٢) دَخَلُوا النَّارَ بِقَوْلِهِمْ: {لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الْمُلْكِ:١٠] . وَهَكَذَا هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا} أَيْ: إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} أَيْ: قَدْ أَيْقَنَّا وَتَحَقَّقْنَا أَنَّ وَعْدَكَ حَقٌّ وَلِقَاءَكَ حَقٌّ، وَقَدْ عَلِمَ الرَّبُّ تَعَالَى مِنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ أَعَادَهُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا لَكَانُوا كَمَا كَانُوا فِيهَا كُفَّارًا يُكْذِّبُونَ آيَاتِ (٣) اللَّهِ وَيُخَالِفُونَ رُسُلَهُ، كَمَا قَالَ: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الْأَنْعَامِ: ٢٧-٢٩] .

وَقَالَ هَاهُنَا {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} [يُونُسَ: ٩٩] .

{وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} أَيْ: مِنَ الصِّنْفَيْنِ، فَدَارُهُمُ النَّارُ (٤) لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا وَلَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْهَا، نَعُوذُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ التَّامَّةِ مِنْ ذَلِكَ.

{فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أَيْ: يُقَالُ لِأَهْلِ النَّارِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ: ذُوقُوا [هَذَا] (٥) الْعَذَابَ بِسَبَبِ تَكْذِيبِكُمْ بِهِ، وَاسْتِبْعَادِكُمْ وُقُوعَهُ، وَتَنَاسِيكُمْ لَهُ؛ إِذْ عَامَلْتُمُوهُ مُعَامَلَةَ مَنْ هُوَ نَاسٍ لَهُ، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} أَيْ: [إِنَّا] (٦) سَنُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنْسَى شَيْئًا وَلَا يَضِلُّ عَنْهُ شَيْءٌ، بَلْ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الْجَاثِيَةِ: ٣٤] .

وَقَوْلُهُ: {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أَيْ: بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ وَتَكْذِيبِكُمْ، (٧) كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا. إِلا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا جَزَاءً وِفَاقًا. إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا. وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا. وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا. فَذُوقُوا فَلَنْ نزيدَكُمْ إِلا عَذَابًا} [النَّبَأِ: ٢٤-٣٠] .

{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) } .


(١) بعدها في ف، أ: "فارجعنا نعمل صالحا".
(٢) في ت: "إذ".
(٣) في ت، ف: "بآيات".
(٤) في ت، ف: "قد ذرأتهم للنار".
(٥) زيادة من أ.
(٦) زيادة من ت.
(٧) في ت: "كفرهم وتكذيبهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>