للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم قال: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) أي: لا بد أن ننتقم منهم ونعاقبهم، ولو ذهبت أنت، (أَوْ (١) نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) أي: نحن قادرون على هذا وعلى هذا. ولم يقبض الله رسوله حتى أقر عينه من أعدائه، وحكمه في نواصيهم، وملكه ما تضمنته صياصيهم. هذا معنى قول السدي، واختاره ابن جرير.

وقال ابن جرير (٢) حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا ابن (٣) ثور، عن معمر قال: تلا قتادة: (فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) فقال: ذهب النبي وبقيت النقمة، ولم يُرِ الله (٤) نبيه في أمته شيئا يكرهه، حتى مضى (٥)، ولم يكن نبي قط إلا ورأى (٦) العقوبة في أمته، إلا نبيكم . قال: وذُكر لنا أن رسول الله أرِيَ ما يصيب أمته من بعده، فما رُئِي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله ﷿. (٧)

وذكر من رواية سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة نحوه. ثم روى ابن جرير عن الحسن نحو ذلك أيضا.

وفي الحديث: "النجوم أمنة للسماء، فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما تُوعَدُ، وأنا أمَنَة لأصحابي، فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون". (٨)

ثم قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) أي: خذ بالقرآن المنزل على قلبك، فإنه هو الحق، وما يهدي إليه هو الحق المفضي إلى صراط الله المستقيم، الموصل إلى جنات النعيم، والخير الدائم المقيم.

ثم قال: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) قيل: معناه لشرف (٩) لك ولقومك، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والسدي، وابن زيد. واختاره ابن جرير، ولم يحك سواه.

وأورد البغوي هاهنا حديث الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن معاوية قال: سمعت رسول الله يقول: "إن هذا الأمر في قريش لا ينازعهم فيه أحد إلا أكَبَّه الله على وجهه ما أقاموا الدين". رواه البخاري. (١٠)

و [قيل] (١١) معناه: أنه شرف لهم من حيث إنه أنزل بلغتهم، فهم أفهم الناس له، فينبغي أن يكونوا أقوم الناس به وأعملهم بمقتضاه، وهكذا كان خيارهم وصفوتهم من الخُلَّص من المهاجرين السابقين الأولين، ومن شابههم وتابعهم.

وقيل: معناه: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) أي: لتذكير لك ولقومك، وتخصيصهم بالذكر لا ينفي من سواهم، كقوله: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠]، وكقوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤].


(١) في ت، أ: "وإما" وهو خطأ.
(٢) في ت: "وروى هو قال".
(٣) في ت: "أبو".
(٤) في أ: "الله تعالى".
(٥) في ت، م: "قبض".
(٦) في ت، م، أ: "إلا وقد رأى".
(٧) تفسير الطبري (٢٥/ ٤٥).
(٨) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٥٣١) من حديث أبي موسى الأشعري .
(٩) في م: "الشرف".
(١٠) معالم التنزيل للبغوي (٧/ ٢١٥) وصحيح البخاري برقم (٣٥٠٠).
(١١) زيادة من ت، م.