للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: استمعوا (١) وهذا أدب منهم.

وقد قال الحافظ البيهقي: حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، أخبرنا أبو الحسن محمد بن عبد الله الدقاق، حدثنا محمد بن إبراهيم البُوشَنْجي، حدثنا هِشام بن عمار الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن محمد بن المُنْكَدِر، عن جابر بن عبد الله قال: قرأ رسول الله سورة "الرحمن" حتى ختمها، ثم قال: "ما لي أراكم سكوتا، لَلْجِنّ كانوا أحسن منكم ردًا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ إلا قالوا: ولا بشيء من آلائك -أو نعمك-ربنا نكذب، فلك الحمد".

ورواه الترمذي في التفسير، عن أبي مسلم عبد الرحمن بن واقد، عن الوليد بن مسلم به (٢). قال: خرج رسول الله على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن، فذكره، ثم قال الترمذي: "غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد، عن زهير" كذا قال. وقد رواه البيهقي من حديث مروان بن محمد الطاطري، عن زهير بن محمد، به مثله (٣) (٤).

وقوله: (فَلَمَّا قُضِيَ) أي: فرغ. كقوله: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ﴾ [الجمعة: ١٠]، ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت: ١٢]، ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] (وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) أي: رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول الله ، كقوله: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: ١٢٢].

وقد استدل بهذه الآية على أنه في الجن نُذُرٌ، وليس فيهم رسل: ولا شك أن الجن لم يبعث الله منهم رسولا؛ لقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [يوسف: ١٠٩]، وقال ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ﴾ [الفرقان: ٢٠]، وقال عن إبراهيم الخليل: ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ﴾ [العنكبوت: ٢٧].

فكل نبي بعثه الله بعد إبراهيم فمن ذريته وسلالته، فأما قوله تعالى في [سورة] (٥) الأنعام: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠]، فالمراد من مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما وهو الإنس، كقوله: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] أي: أحدهما. ثم إنه تعالى فسر إنذار الجن لقومهم فقال مخبرًا عنهم: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى [مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ]) (٦)، ولم يذكروا عيسى؛ لأن عيسى، ، أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقات وقليل من التحليل والتحريم، وهو في الحقيقة كالمتمم لشريعة التوراة، فالعمدة هو التوراة؛ فلهذا قالوا: أنزل من بعد موسى. وهكذا قال ورقة بن نوفل، حين أخبره النبي


(١) في ت، م: "استمعوه".
(٢) دلائل النبوة للبيهقي (١/ ٢٣٢) وسنن الترمذي برقم (٣٢٩١).
(٣) في ت: "بمعناه".
(٤) دلائل النبوة للبيهقي (١/ ٢٣٢).
(٥) زيادة من ت.
(٦) زيادة من أ.