للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فخذوا ذات اليمين". فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقَتَرة الجيش، فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبي حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها، بركت به راحلته. فقال الناس: حل حل فألحت، فقالوا: خلأت القصواء، خلأت القصواء، فقال النبي : "ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل". ثم قال: "والذي نفسي بيده، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله، إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت، فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء، يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يلبث (١) الناس حتى نزحوه، وشكي (٢) إلى رسول الله العطش، فانتزع من كنانته سهمًا ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه، فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح رسول الله [] (٣) من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي : "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد نهكتهم الحرب فأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددنهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، ولينفذن (٤) الله أمره" قال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا فقال: إنا قد جئنا من عند هذا الرجل، وسمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال: ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته يقول: قال: سمعته يقول كذا وكذا، فحدثهم بما قال رسول الله ، فقام عروة بن مسعود فقال: أي قوم، ألستم بالوالد؟ قالوا: بلى. قال: أولست بالولد؟ قالوا: بلى. قال: فهل تتهموني؟ قالوا: لا. قال: ألستم تعلمون أني أستنفرت أهل عكاظ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني؟ قالوا: بلى. قال: فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته. قالوا: ائته. فأتاه فجعل يكلم رسول الله ، فقال النبي له نحوا من قوله لبديل بن ورقاء. فقال عروة عند ذلك: أي محمد، أرأيت إن استأصلت أمر قومك، هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك؟ وإن تك الأخرى فإني والله لأرى وجوها، وإني لأرى أشوابا (٥) من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك، فقال أبو بكر، : امصص بَظْر اللات! أنحن نفر وندعه؟! قال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك. قال: وجعل يكلم النبي فكلما كلمه أخذ بلحيته، والمغيرة بن شعبة، قائم على رأس النبي ومعه السيف وعليه المغفر، فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي ضرب يده بنعل السيف، وقال له: أخر يدك من لحية النبي . فرفع عروة رأسه وقال: من هذا؟ قال: المغيرة بن شعبة. فقال: أي غدر، ألست أسعى في غدرتك؟! وكان المغيرة بن شعبة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثم جاء فأسلم، فقال النبي : "أما الإسلام فأقبل، وأما المال فلست منه في شي".


(١) في ت، م: "يلبثه".
(٢) في أ: "شكوا".
(٣) زيادة من م.
(٤) في ت، م: "أو لينفذن".
(٥) في أ: "أوشابا".