للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومجاهد وغير واحد.

وقال سفيان الثوري: قرأ واصل الأحدب هذه الآية: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) فقال: ألا إني (١) أرى رزقي في السماء، وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث [فيها] (٢) ثلاثا لا يصيب شيئا، فلما أن كان في اليوم الثالث إذا هو بِدَوْخَلَة من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، فدخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق الموت بينهما (٣).

وقوله: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء، كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكوا فيه كما لا تشكوا في نطقكم حين تنطقون. وكان معاذ، ، إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه: إن هذا لحق كما أنك هاهنا.

قال مسدد، عن ابن أبي عَدِيّ، عن عَوْف، عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله قال: "قاتل الله أقوامًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا".

ورواه ابن جرير، عن بُنْدَار، عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن، فذكره مرسلا (٤).

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)

هذه القصة قد تقدمت في سورة "هود" و "الحجر" (٥) أيضا. وقوله: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) أي: الذين أرصد لهم الكرامة. وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل، وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل.

وقوله: (قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ): الرفع أقوى وأثبت من النصب، فرده أفضل من التسليم؛ ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦]، فالخليل اختار الأفضل.

وقوله: (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ): وذلك أن الملائكة وهم: جبريل وإسرافيل وميكائيل قدموا عليه في صور شبان حسان عليهم مهابة عظيمة؛ ولهذا قال: (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ).


(١) في م: "لا أرى رزقي".
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: "بينهما الموت".
(٤) تفسير الطبري (٢٦/ ١٢٧).
(٥) تقدم تفسير ذلك في سورة هود عند الآيات: ٦٩ - ٧٣ وكذلك في سورة الحجر عند الآيات: ٥١ - ٥٦.