للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الذَّكَرَ وَالأنْثَى * مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى)، كقوله: ﴿أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [القيامة: ٣٦ - ٤٠]. (١).

وقوله: (وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى) أي: كما خلق البداءة هو قادر على الإعادة، وهي النشأة الآخرة يوم القيامة. (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى) أي: مَلَّك عباده المال، وجعله لهم قُنْيَة مقيما عندهم، لا يحتاجون إلى بيعه، فهذا تمام النعمة عليهم. وعلى هذا يدور كلام كثير من المفسرين، منهم أبو صالح، وابن جرير، وغيرهما. وعن مجاهد: (أَغْنَى): مَوَّل، (وَأَقْنَى): أخدم. وكذا قال قتادة.

وقال ابن عباس ومجاهد أيضا: (أَغْنَى): أعطى، (وَأَقْنَى): رَضّى.

وقيل: معناه: أغنى نفسه وأفقر الخلائق إليه، قاله الحضرمي بن لاحق.

وقيل: (أَغْنَى) من شاء من خلقه و (وَأَقْنَى): أفقر من شاء منهم، قاله ابن زيد. حكاهما ابن جرير (٢) وهما بعيدان من حيث اللفظ.

وقوله: (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى) قال ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم: هو هذا النجم الوقاد الذي يقال له: "مِرْزَم الجوزاء" كانت طائفة من العرب يعبدونه.

(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى) وهم: قوم هود. ويقال لهم: عاد بن إرم بن سام بن نوح، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ [الفجر: ٦ - ٨]، فكانوا من أشد الناس وأقواهم وأعتاهم على الله وعلى رسوله، فأهلكهم الله ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الحاقة: ٦، ٧].

وقوله: (وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى)، أي: دمرهم فلم يبق منهم أحدا، (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْل) أي: من قبل هؤلاء، (إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى) أي: أشد تمردا من الذين من بعدهم، (وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى) يعني: مدائن لوط، قَلَبها عليهم فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود؛ ولهذا قال: (فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) يعني: من الحجارة التي أرسلها عليهم ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣].

قال قتادة: كان في مدائن لوط أربعة آلاف ألف إنسان، فانضرم عليهم الوادي شيئا من نار ونفط وقَطِران كفم الأتون (٣). رواه (٤) ابن أبي حاتم، عن أبيه، عن محمد بن وهب بن عطية، عن الوليد بن مسلم، عن خليد، عنه به. وهو غريب جدا.


(١) في م: "تمنى".
(٢) تفسير الطبري (٢٧/ ٤٤).
(٣) في أ: "كتم الأنوف".
(٤) في م: "ورواه".