للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا، فقال الله تعالى: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) أي: جهنم كفايتهم في الدار الآخرة (يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛ أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله : سام عليك، ثم يقولون في أنفسهم: (لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ)؟، فنزلت هذه الآية: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) إسناد حسن ولم يخرجوه (١)

وقال العوفي، عن ابن عباس: (وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ) قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله إذا حيوه: "سام عليك"، قال الله: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

ثم قال الله مُؤدّبًا عباده المؤمنين ألا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ) أي: كما يتناجى به الجهلة من كفرة أهل الكتاب ومن مَالأهم على ضلالهم من المنافقين، (وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) أي: فيخبركم (٢) بجميع أعمالكم وأقوالكم التي قد أحصاها عليكم، وسيجزيكم بها.

قال الإمام أحمد: حدثنا بَهْزُ وعفان قالا أخبرنا همام، حدثنا قتادة، عن صفوان بن مُحْرِز قال: كنت آخذًا بيد ابن عمر، إذ عرض له رجل فقال: كيف سمعت رسول الله يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال: سمعت رسول الله يقول: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كَنَفه ويستره من الناس، ويقرره بذنوبه، ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قَرّره بذنوبه ورأى في نفسه أن قد هلك، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم. ثم يُعْطَى كتابَ حسناته، وأما الكفار (٣) والمنافقون فيقول الأشهاد: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم، ألا لعنة الله على الظالمين".

أخرجاه في الصحيحين، من حديث قتادة (٤)

ثم قال تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) أي: إنما النجوى-وهي المُسَارّة-حيث يتوهم مؤمن بها سوءًا (مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) يعني: إنما يصدر هذا من المتناجين عن تسويل الشيطان وتزيينه، (لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي: ليسوءهم، وليس ذلك بضارهم شيئًا إلا بإذن الله، ومن أحس من ذلك شيئًا فليستعذ بالله وليتوكل على الله، فإنه لا يضره شيء بإذن الله.

وقد وردت السنة بالنهي عن التناجي حيث يكون في ذلك تأذٍ على مؤمن، كما قال الإمام أحمد:


(١) المسند (٢/ ١٧٠).
(٢) في أ: "فيجزيكم".
(٣) في م: "الكافرون".
(٤) المسند (٢/ ٧٤) وصحيح البخاري برقم (٤٦٨٥) وصحيح مسلم برقم (١٧٦٨).