للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

هكذا أورد هذا الحديث من هذا الوجه بهذا السياق، وبهذا اللفظ، واختصره. وقد أخرجه الترمذي والنسائي من حديث شعبة، عن منصور بن المعتمر، عن رِبْعَي بن حِرَاش، عن زيد بن ظَبْيان، عن أبي ذَرّ بأبسط من هذا السياق وأتم (١) وقد أوردناه في موضع آخر، ولله الحمد.

وعن كعب الأحبار أنه قال: يقول الله تعالى لمحمد : "عبدي المتوكل المختار ليس بفَظّ ولا غَليظ ولا صَخَّاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر مولده بمكة، وهجرته بطابة، وملكه بالشام، وأمته الحمادون يحمَدُون الله على كلّ حال، وفي كل منزلة، لهم دَوِيٌّ كدوي النحل في جو السماء بالسحَر، يُوَضّون أطرافهم، ويأتزرون على أنصافهم، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة". ثم قرأ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) رعاة الشمس، يصلون الصلاة حيث أدركتهم، ولو على ظهر دابة" رواه بن أبي حاتم.

وقال سعيد بن جبير في قوله (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا) قال: كان رسول الله لا يقاتل العدو إلا أن يصافهم، وهذا تعليم من الله للمؤمنين. قال: وقوله: (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ملتصق بعضه في بعض، من الصف في القتال.

وقال مقاتل بن حيان: ملتصق بعضه إلى بعض.

وقال ابن عباس: (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) مُثَبّت، لا يزول، ملصق بعضه ببعض.

وقال قتادة: (كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) ألم تر إلى صاحب البنيان، كيف لا يحب أن يختلف بنيانه؟ فكذلك الله ﷿ [يحب أن] (٢) لا يختلف أمره، وإن الله صف المؤمنين في قتالهم وصفهم في صلاتهم، فعليكم بأمر الله، فإنه عصمة لمن أخذ به. أورد ذلك كله ابن أبي حاتم.

وقال ابن جرير: حدثني سعيد بن عَمرو السكوني، حدثنا بَقِيَّة بن الوليد، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن يحيى بن جابر الطائي، عن أبي بحرية (٣) قال: كانوا يكرهون القتال على الخيل، ويستحبون القتال على الأرض، لقول الله ﷿: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) قال: وكان أبو بحرية (٤) يقول: إذا رأيتموني التفتُّ في الصف فَجَثُوا في لَحيي (٥)


(١) سنن الترمذي برقم (٢٥٦٨) وسنن النسائي (٥/ ٨٤، ٣/ ٢٠٧) وقال الترمذي: "هذا حديث صحيح".
(٢) زيادة من م، أ.
(٣) في أ: "عن أبي يحيى به".
(٤) في أ: "أبو بحيرة".
(٥) تفسير الطبري (٢٨/ ٥٧).