للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٥)

يقول تعالى مخبرًّا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران أنه قال لقومه: (لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ) أي: لم توصلون الأذى إليّ وأنتم تعلمون صدقي فيما جئتكم به من الرسالة؟. وفي هذا تسلية لرسول الله فيما أصاب (١) من الكفار من قومه وغيرهم، وأمر له بالصبر؛ ولهذا قال: "رحمة الله على موسى: لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" (٢) وفيه نهي للمؤمنين أن ينالوا من النبي أو يُوَصّلوا إليه أذى، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الأحزاب: ٦٩]

وقوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) أي: فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان، كما قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١١٠] وقال: ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: ١١٥] ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦)

وقوله: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) يعني: التوراة قد بَشَّرَت بي، وأنا مصداقُ ما أخبرت عنه، وأنا مُبَشّر بمن بعدي، وهو الرسول النبي الأمي العربي المكي أحمد. فعيسى، ، وهو خاتم أنبياء بني إسرائيل، وقد أقام (٣) في ملأ بني إسرائيل مبشرًا بمحمد، وهو أحمد خاتم الأنبياء والمرسلين، الذي لا رسالة بعده ولا نبوة. وما أحسن ما أورد البخاري الحديثَ الذي قال فيه:

حدثنا أبو اليمان، حدثنا شعيب، عن الزهري قال: أخبرني محمد بن جُبَير بن مُطعم، عن أبيه قال: سمعت رسول الله يقول: "إن لي أسماء: أنا محمد، وأحمد، وأنا الماحي الذي يَمحُو الله به الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب".

ورواه مسلم، من حديث الزهري، به نحوه (٤)

وقال أبو داود الطيالسي: حدثنا المسعودي، عن عمرو بن مُرّة، عن أبي عُبَيدة، عن أبي موسى قال: سَمَّى لنا رسول الله نَفسه أسماءً، منها ما حفظنا فقال: "أنا محمد، وأحمد، والحاشر، والمقفي، ونبي الرحمة، والتوبة، والملحمة".

ورواه مسلم من حديث الأعمش، عن عمرو بن مرة، به (٥)


(١) في م: "فيما أصابه".
(٢) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٠٥) ومسلم في صحيحه برقم (١٠٦٢٢) من حديث عبد الله بن مسعود .
(٣) في م: "وقد قام".
(٤) صحيح البخاري برقم (٤٨٩٦) وصحيح مسلم برقم (٢٣٥٤).
(٥) مسند الطيالسي برقم (٤٩٢) وصحيح مسلم برقم (٢٣٥٥).