للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: قال الجن لقومهم: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: لما رأوه يصلي وأصحابه، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قالوا: عجبوا من طواعية أصحابه له، قال: فقالوا لقومهم: (لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا)

وهذا قول ثان، وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا.

وقال الحسن: لما قام رسول الله يقول: "لا إله إلا الله" ويدعو الناس إلى ربهم، كادت العرب تلبد عليه جميعًا.

وقال قتادة في قوله: (وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) قال: تَلَبَّدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه (١) ويظهره على من ناوأه.

وهذا قول ثالث، وهو مروي عن ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وقول ابن زيد، واختيار ابن جرير، وهو الأظهر لقوله بعده: (قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا) أي: قال لهم الرسول-لما آذوه (٢) وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه، ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته: (إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي) أي: إنما أعبد ربي وحده لا شريك له، وأستجير به وأتوكل عليه، (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا)

وقوله: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) أي: إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ، وعبد من عباد الله ليس إليّ من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كله إلى الله ﷿.

ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد، أي: لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه، (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) قال مجاهد، وقتادة، والسدي: لا ملجأ. وقال قتادة أيضا: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) أي: لا نصير ولا ملجأ. وفي رواية: لا ولي ولا موئل.

وقوله تعالى: (إِلا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) قال بعضهم: هو مستثنى من قوله: (لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) (إِلا بَلاغًا) ويحتمل أن يكون استثناء من قوله: (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) أي: لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها عليّ، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧] (٣)

وقوله: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) أي: أنما أبلغكم رسالة الله، فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم خالدين فيها أبدًا، أي لا محيد لهم عنها، ولا خروج


(١) في م: "ويعينه".
(٢) في م: "لما نادوه.
(٣) في م: "فإن" وهو خطأ.