للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَيْ: مِنْ سِرِّ ثَلَاثَةٍ {إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} أَيْ: يَطَّلِعُ عَلَيْهِمْ يَسْمَعُ كَلَامَهُمْ وَسِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ، وَرُسُلُهُ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ تَكْتُبُ مَا يَتَنَاجَوْنَ بِهِ، مَعَ عِلْمِ اللَّهِ وَسَمْعِهِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلامُ الْغُيُوبِ} [التَّوْبَةِ: ٧٨] وَقَالَ {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزُّخْرُفِ: ٨٠] ؛ وَلِهَذَا حَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعِيَّةُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (١) وَلَا شَكَّ فِي إِرَادَةِ ذَلِكَ وَلَكِنَّ سَمْعَهُ أَيْضًا مَعَ عِلْمِهِ مُحِيطٌ بِهِمْ، وَبَصَرَهُ نَافِذٌ فِيهِمْ، فَهُوَ، سُبْحَانَهُ، مُطَّلِعٌ عَلَى خَلْقِهِ، لَا يَغِيبُ عَنْهُ مِنْ أُمُورِهِمْ شَيْءٌ.

ثُمَّ قَالَ: {ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: افْتَتَحَ الْآيَةَ بِالْعِلْمِ، وَاخْتَتَمَهَا بِالْعِلْمِ.

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩) إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَءَامَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٠) }

قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ [فِي قَوْلِهِ] (٢) {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى} قَالَ: الْيَهُودُ وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَزَادَ: كَانَ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْيَهُودِ مُوَادَعَةٌ، وَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسُوا يَتَنَاجَوْنَ بَيْنَهُمْ، حَتَّى يَظُنَّ الْمُؤْمِنُ أَنَّهُمْ يَتَنَاجَوْنَ بِقَتْلِهِ-أَوْ: بِمَا يَكْرَهُ الْمُؤْمِنُ-فَإِذَا رَأَى الْمُؤْمِنُ ذَلِكَ خَشيهم، فَتَرَكَ طَرِيقَهُ عَلَيْهِمْ. فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْوَى، فَلَمْ يَنْتَهُوا وَعَادُوا إِلَى النَّجْوَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ حَمْزَةَ، عَنْ كَثِيرٍ عَنْ زَيْدٍ، عَنْ رُبَيح بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا نَتَنَاوَبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَبِيتُ عِنْدَهُ؛ يطرُقه مِنَ اللَّيْلِ أَمْرٌ (٣) وَتَبْدُو لَهُ حَاجَةٌ. فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتُ لَيْلَةٍ كَثُر أَهْلُ النَّوْبِ وَالْمُحْتَسِبُونَ حَتَّى كُنَّا أَنْدِيَةً نَتَحَدَّثُ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "مَا هَذَا النَّجْوَى؟ أَلَمْ تُنْهَوا عَنِ النَّجْوَى؟ ". قُلْنَا: تُبْنَا إِلَى اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كنا في ذكر المسيح،


(١) في م: "علمه تعالى".
(٢) زيادة من أ.
(٣) في م: "أمرًا" وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>