للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عن أبي حمزة عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قال رسول الله : "في المال حق سوى الزكاة" ثم تلا (١) (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إلى قوله: (وَفِي الرِّقَابِ)

[وقد أخرجه ابن ماجه والترمذي (٢) وضعف أبا حمزة ميمونًا (٣) الأعور، قال: وقد رواه بيان (٤) وإسماعيل بن سالم عن الشعبي] (٥).

وقوله: (وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ) أي: وأتم أفعال الصلاة في أوقاتها بركوعها، وسجودها، وطمأنينتها، وخشوعها على الوجه الشرعي المرضي.

وقوله: (وَآتَى الزَّكَاةَ) يُحْتَمَلُ أن يكون المراد به زكاة النفس، وتخليصها من الأخلاق الدنية (٦) الرذيلة، كقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس: ٩، ١٠] وقول موسى لفرعون: ﴿هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ [النازعات: ١٨، ١٩] وقوله تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٦، ٧].

ويحتمل أن يكون المرادُ زكاة المال (٧) كما قاله سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان، ويكون المذكور من إعطاء (٨) هذه الجهات والأصناف المذكورين إنما هو التطوع والبر والصلة؛ ولهذا تقدم في الحديث عن فاطمة بنت قيس: أن في المال حقا سوى الزكاة، والله أعلم.

وقوله: (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) كقوله: ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ [الرعد: ٢٠] وعكس هذه الصفة النفاق، كما صح في الحديث: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان". وفي الحديث الآخر: "إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (٩).

وقوله: (وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ) أي: في حال الفقر، وهو البأساء، وفي حال المرض والأسقام، وهو الضراء. (وَحِينَ الْبَأْسِ) أي: في حال القتال والتقاء الأعداء، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وأبو العالية، ومُرّة الهمداني، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، والربيع بن أنس، والسدي، ومقاتل بن حيان، وأبو مالك، والضحاك، وغيرهم.

وإنما نُصِبَ (وَالصَّابِرِينَ) على المدح والحث على الصبر في هذه الأحوال لشدته وصعوبته، والله أعلم، وهو المستعان وعليه التكلان.

وقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا) أي: هؤلاء الذين اتصفوا بهذه الصفات هم الذين صَدَقوا في إيمانهم؛ لأنهم حققوا الإيمان القلبي بالأقوال والأفعال، فهؤلاء هم الذين صدقوا (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)


(١) في جـ، أ، و: "ثم قرأ".
(٢) سنن الترمذي برقم (٦٥٩) وسنن ابن ماجة برقم (١٧٨٩) وقال الترمذي: "هذا حديث ليس إسناده بذاك، وأبو حمزة يضعف في الحديث، وقد روى بيان وإسماعيل بن سالم عن الشعبي قوله، وهو أصح".
(٣) في أ: "عونا".
(٤) في جـ: "سيار" والصواب ما أثبتناه".
(٥) زيادة من جـ، أ.
(٦) في جـ: "الذميمة".
(٧) في جـ: "زكاة الملك".
(٨) في أ، و: "من أعطى".
(٩) رواه مسلم في صحيحه برقم (٥٨) من حديث عبد الله بن عمرو .