للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

طريق أبي هريرة أيضًا (١) -عند قوله في سورة المائدة: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: ٩٠] الآيات.

فقوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) أما الخمر فكما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنه كل ما خامر العقل. كما سيأتي بيانُه في سورة المائدة، وكذا الميسر، وهو القمار.

وقوله: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية، من حيث إن (٢) فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراجَ الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذّة الشدّة المطربة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته:

ونشربها فتتركنا ملوكًا … وأسْدًا لا يُنَهْنهها اللقاءُ

وكذا بيعها والانتفاع بثمنها. وما كان يُقَمِّشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله. ولكن هذه المصالح لا توازي مضرّته ومفسدته الراجحة، لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال: (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)؛ ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة؛ ولهذا قال عمر، ، لما قرئت عليه: اللهم بَين لنا في الخمر بيانًا شافيًا، حتى نزل التصريح بتحريمها في سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ﴾ [المائدة: ٩٠، ٩١] وسيأتي الكلام على ذلك في سورة المائدة إن شاء الله، وبه الثقة.

قال ابن عمر، والشعبي، ومجاهد، وقتادة، والرّبيع بن أنس، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: هذه (٣) أوّل آية نزلت في الخمر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ [وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ] (٤)) ثم نزلت الآية التي في سورة النساء، ثم التي في المائدة، فحرمت الخمر (٥).

وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قُرئ بالنصب وبالرفع (٦) وكلاهما حسن متَّجَه قريب.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبان، حدثنا يحيى أنه بلغه: أنّ معاذ بن جبل وثعلبة أتيا رسول الله فقالا يا رسول الله، إن لنا أرقاء وأهلين [فما ننفق] (٧) من أموالنا. فأنزل الله: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ) (٨).

وقال الحكم، عن مِقْسَم، عن ابن عباس: (وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) قال: ما يفضل عن أهلك.


(١) في جـ: "عنه".
(٢) في و: "إن كان فيها".
(٣) في أ: "هذا".
(٤) زيادة من جـ.
(٥) في أ: "فحرمت الخمر فلله الحمد".
(٦) في جـ: "بالرفع والنصب".
(٧) زيادة من أ.
(٨) وهذا منقطع، فإن يحيى بن سعيد بينه وبين معاذ قرن من الزمان.