للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير:

حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا هشام بن يوسف عن أمية بن شبل عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يحكي عن موسى على المنبر، قال: "وقع في نفس موسى: هل ينام الله؟ فأرسل الله إليه ملكًا فأرقه ثلاثًا ثم أعطاه قارورتين في كل يد قارورة وأمره أن يحتفظ بهما". قال: "فجعل ينام تكاد يداه تلتقيان فيستيقظ فيحبس إحداهما على الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت القارورتان" قال: "ضرب الله له مثلا ﷿: أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماء والأرض" (١).

وهذا حديث غريب جدا والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن الدَّشْتكي حدثني أبي عن أبيه حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله. فناداه ربه ﷿: يا موسى سألوك: هل ينام ربك فخذ زجاجتين في يديك فقم الليلة ففعل موسى فلما ذهب من الليل ثلث نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما حتى إذا كان آخر الليل نعس فسقطت الزجاجتان فانكسرتا. فقال: يا موسى، لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك. وأنزل الله على نبيه آية الكرسي.

وقوله: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ) إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه كقوله:

﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: ٩٣ - ٩٥].

وقوله: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ) كقوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾ [النجم: ٢٦] وكقوله: ﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ [الأنبياء: ٢٨] وهذا من عظمته وجلاله وكبريائه ﷿ أنه لا يتجاسر أحد على أن يشفع عنده إلا بإذن له (٢) في الشفاعة كما في حديث الشفاعة: "آتي تحت العرش فأخر (٣) ساجدًا فيدعني ما شاء الله أن يدعني ثم يقال: ارفع رأسك وقل تسمع واشفع تشفع" قال: "فيحد لي حدا فأدخلهم الجنة" (٤).

وقوله: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) دليل على إحاطة علمه بجميع الكائنات: ماضيها وحاضرها ومستقبلها كقوله إخبارًا عن الملائكة: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم: ٦٤].

وقوله: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) أي: لا يطلع أحد من علم الله على شيء إلا


(١) تفسير الطبري (٥/ ٣٩٤) وقال الحافظ ابن حجر في ترجمة أمية بن شبل: "له حديث منكر رواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا قال: "وقع في نفس موسى : هل ينام الله؟ " الحديث رواه هشام بن يوسف وخالفه معمر، عن الحكم عن عكرمة فوقفه، وهذا أقرب ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى وإنما روى أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك".
(٢) في أ، و: "إلا أن يأذن له".
(٣) في أ، و: "فأخر لله".
(٤) حديث الشفاعة مخرج في الصحيحين من حديث أنس ، وسيأتي سياقه وذكر طرقه عند تفسير الآية: ٧٩ من سورة الإسراء.