للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بينهما، بل ذلك سهل عليه يسير لديه وهو القائم على كل نفس بما كسبت، الرقيب على جميع الأشياء، فلا يعزب عنه شيء ولا يغيب عنه شيء والأشياء كلها حقيرة بين يديه متواضعة ذليلة صغيرة بالنسبة إليه، محتاجة فقيرة وهو الغني الحميد الفعال لما يريد، الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون. وهو القاهر لكل شيء الحسيب على كل شيء الرقيب العلي العظيم لا إله غيره ولا رب سواه فقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) كقوله: ﴿وَهُوَ [الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ وكقوله] (١): ﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ٩].

وهذه الآيات وما في معناها من الأحاديث الصحاح الأجود فيها طريقة السلف الصالح إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه.

﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٥٦)

يقول تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) أي: لا تكرهوا أحدًا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورًا. وقد ذكروا أن سبب نزول هذه الآية في قوم من الأنصار، وإن كان حكمها عامًّا.

وقال ابن جرير: حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت المرأة تكون مِقْلاتًا فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده، فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا: لا ندع أبناءنا فأنزل الله ﷿: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيّ)

وقد رواه أبو داود والنسائي جميعا عن بُنْدَار به (٢) ومن وجوه أخر عن شعبة به نحوه. وقد رواه ابن أبي حاتم وابن حبان في صحيحه من حديث شعبة به (٣)، وهكذا ذكر مجاهد وسعيد بن جبير والشعبي والحسن البصري وغيرهم: أنها نزلت في ذلك.

وقال محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمد الجرشي عن (٤) زيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد [بن جبير] (٥) عن ابن عباس قوله: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف يقال له: الحصيني كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلمًا فقال للنبي : ألا أستكرههما فإنهما قد أبيا إلا النصرانية؟ فأنزل الله فيه ذلك.

رواه ابن جرير وروى السدي نحو ذلك وزاد: وكانا قد تنصرا على يدي تجار قدموا من الشام يحملون زيتًا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أبوهما أن يستكرههما، وطلب من رسول الله أن يبعث في آثارهما، فنزلت هذه الآية.


(١) زيادة من أ، و.
(٢) تفسير الطبري (٥/ ٤٠٧، ٤٠٨) وسنن أبي داود برقم (٢٦٨٢) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٤٨).
(٣) صحيح ابن حبان برقم (١٧٢٥) "موارد".
(٤) في و: "مولى".
(٥) زيادة من جـ، أ.