للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} ١.

وشرح الصدر الذي عنته الآيات ليس نتيجة جراحة يجريها ملك أو طبيب! ويحسن أن نعرف شئيًا عن أساليب الحقيقة والمجاز التي تقع في السُّنة.

عن عائشة: "أن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- قلن: يا رسول الله أينا أسرع بك لحوقًا؟ قال: "أطولكن يدًّا، فأخذن قصبة يذرعنها فكانت سودة أطولهن يدًّا فعلمنا بعد أنما كان طول يدها: الصدقة، وكانت تحب الصدقة، وكانت أسرعنا لحوقًا به"٢.


١ سورة الانشراح الآيات: ١، ٢، ٣.
٢ "فقه السيرة" ص: ٤٩، ٥٠.
والحديث صحيح أخرجه مسلم في صحيحه ص: ١٩٠٧، والبخاري ٣/ ٣٨٥ وغيرهما ولكن ما أدري كيف تشتد الغفلة بالمرء، فيستدل بما ليس بدليل، ويعتمد ما ليس بحجة، وإن الكلام على هذا الحديث وشرحه يطول، حتى يمكن أن يصنف في معنى هذا الحديث، وما وقع من الخلاف فيه، ونحن نختصر في ذلك ما أمكن.
فاللفظ الوارد في المتن هو البخاري، وخالفه مسلم فيه ولفظه: قال صلى الله عليه وسلم: "أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًّا، قالت: فكن يتطاولن أيهن أطول يدًّا، فكانت زينب أطوالنا يدًّا لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق".
وقد وقع بين العلماء كلام طويل في ترجيح أي الحديثين، نقل بعضه ابن حجر في "الفتح" ٣/ ٣٨٦-٣٨٨.
وقد جاء سياق في "المستدرك" ٤/ ٢٥ يبين أن أطولهن ذراعًا لم تكن زينب، ومع ذلك كانت أسرع زوجاته موتًا بعده، وذلك لطول يدها في الصدقة.
فأقول هنا:
فإن كان على لفظ البخاري، فلا دليل للغزالي، لأن الرواية صحت بالحقيقة والمجاز.
وإن كان على لفظ مسلم، فلا دليل على نفس الحقيقة، وإنها غير مراده.
وأما اللفظ الذي كان يمكن أن يستدل به فهو لفظ المستدرك، وغفل عنه، وهو لا حجة فيه لمن تأمل، لأن زوجاته لم يفهمن منه إلا الحقيقة، لكونه لا يصار إلى المجاز إلا بقرينة تصرف الكلام إليه، أو بامتناع إرادة الحقيقة -كما هو مقرر في كتب الأصول حتى لا تصرف كل الألفاظ عن ظواهرها، وتبطل الأدلة-.................................... =

<<  <   >  >>