للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يثرب، وهو في السادسة من عمره لزيارة أخوال جده من بني عدي بن النجار١.

وفي هذه الرحلة رأى محمد -صلى الله عليه وسلم- قبر والده عبد الله في يثرب، فانطبعت في نفسه معانٍ عميقة ظل يشعرها طول حياته، ثم رأى والدته وهو عائد من يثرب إلى مكة يتخطفها الموت وتغيب عن عينيه في أعماق الثرى، ولا يرى معه في هذا الظرف العصيب إلا جاريته أم أيمن تضرب في البيداء المترامية، وبين الظلمات المتكاثفة من الخوف والحزن الذي ألم به بعد فراق أمّه الرءوم حتى تعود به إلى جده عبد المطلب فيتسلمه.

ومنذ أن عاد محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى جده العظيم عبد المطلب بدأت تزول مخاوفه وأحزانه، لأنه رأى من عطفه وحنانه ما أنساه ألم اليتم وعوضه عن فقد والديه. ويذكر الرواة من مظاهر هذا العطف والحنان أن عبد المطلب كان له فراش في ظل الكعبة، وكان بنوه يجلسون حول فراشه ولا يجرؤ أحد أن يجلس عليه إجلالًا له واحترامًا، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يأتي وهو غلام حتى يجلس عليه فيأخذه أعمامه ليؤخروه عن فراش جده، فيقول عبد المطلب حين يرى ذلك منهم: دعوا ابني، فوالله إن له لشأنًا. ويجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما كان يصنع٢.


١ ذكر هذه الحادثة ابن سعد في "الطبقات" ٢/ ١١٦- ١١٧ مسندًا ذلك عن الزهري وقتادة، وعبد الله بن أبي بكر، وابن عباس.
وانظر "المواهب اللدنية" ١/ ١٦٨، و"الروض الأنف" ١/ ١٩٤، و"البداية والنهاية" ٢/ ١٧٩، ومجيء هذه الحكاية من أوجه متعددة يفيد ثبوتها، وإن كانت جميعها مرسلة.
٢ سيرة ابن هشام، و"الروض الأنف" ١/ ١٩٥، و"البداية والنهاية" ٢/ ٢٨١، ولم أقف على هذه الحكاية من وجه مسند متصل، وقد رواه الواقدي -وهو متروك- من أوجه مرسلة.

<<  <   >  >>