للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن القدر لم يمهل عبد المطلب بعد وفاة آمنة سوى عامين ثم أدركته المنية ومحمد -صلى الله عليه وسلم- لا يزال في الثامنة من عمره ١، وقد فزع محمد لفراق جده، وامتلأت نفسه بالحزن العميق حتى لقد لفت هذا الحزن أنظار الناس وهم يشيعون عبد المطلب إلى مقره الأخير حيث كانوا يرون محمدًا -وهو الطفل الصغير- يمشي في جنازة جده مطرق الرأس موزع الفكر دائم البكاء ٢.

ومن ذلك سفره إلى الشام مع عمه أبي طالب الذي كفله بعد وفاة جده، وكان خير المثال للعمومة الكريمة والأبوة الرحيمة.

وفي هذا الطريق التقى محمد -صلى الله عليه وسلم- براهب نصراني يقال له: بحيرا، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- حينئذٍ في الثانية عشرة من عمره، وكان ذلك بالقرب من بصرى وهي قرية في الحدود بين الشام وبلاد العرب. ويقال إن هذا الراهب أخذ يسأل محمد -صلى الله عليه وسلم- عن كثير من أحواله، وإن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أخبره عن كل ما سأل عنه. فوجد هذا الراهب أن هذه الأوصاف هي أوصاف النبي الذي بشرت به التوراة والإنجيل.

وحينئذٍ قال لعمه أبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: إنه ابني.

فقال له بحيرا: ما هو بابنك، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيًّا.

قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حبلى به. قال: صدقت.


١ هذا قول ابن إسحاق، كما في "سيرة ابن هشام" ١/ ١٧٨، وأسنده عنه البيهقي في "الدلائل" ١/ ١٨٨، ولم يحك ابن كثير غيره في "البداية" ٢/ ٢٨٢.
وقد أخرج ابن سعد من وجه ضعيف ١/ ١١٩ "أنه -صلى الله عليه وسلم- سئل: أتذكر موت عبد المطلب؟ قال: نعم، أنا يومئذٍ ابن ثماني سنين". وقالت أم أيمن: رأيته يبكي خلف سرير عبد المطلب.
٢ قدمنا في الحاشية السابقة قول أم أيمن وأنها رأته يبكي، والسند ضعيف.

<<  <   >  >>