ولكن عند الصباح يحمد القوم السرى، وحينما تتحقق الآمال تضيع المتاعب وتنسى الآلام، ولقد نسينا ما لقينا من نصب ومشقة حينما انتهينا بحمد الله وتوفيقه إلى الغار، وأشرقت علينا من خلاله الأنور، وغمرتنا موجات متلاحقة من البِشر والسرور، وطاف بنا إشراق من صفاء النفس وسمو الروح، حتى لقد ذهلنا عن أنفسنا وخيل إلينا أن أجسامنا قد استبدلت بأطياف وأرواح، وأن أجسادنا لم يعد لها ثقل مادي، وأن في استطاعتنا أن نحلق في يسر وسهولة إلى الملإ الأعلى.
ولقد تراءى بين أيدينا إذا ذاك سجل الزمن وكتاب الأيام، فقلبنا صفحاته إلى الوراء أربعة عشر قرنًا من الزمان، حيث وقفنا عند صفحة خالدة تشع بالأنور في تاريخ هذا الغار.
ولعل الشاعر الحجازي الأستاذ السيد أحمد العربي قد عبر عما تجيش به نفوسنا جميعًا في قصيدته الرائعة عن غار حراء، وهي القصيدة التي يقول فيها:
هذا حراء سائلوه يجبكم ... فلعله سفر من الأسفار
واستلهموه مواقف الوحي التي ... شع الهدى منها على الأقطار
وسلوه ماذا قد أقل من البطو ... لة والحجى؟ أعظم به من غار
أخلق بغار حراء أن يزهى على ال ... أهرام والإيوان والآثار
كم بين صاحبه وبين بناتها ... من فارق أربى على الأقدار
شتان بين محرر الأقوام وال ... مستعبدين سلائل الأحرار
فإلى هذا المكان الذي يشق العنان، كان يصعد محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم