للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قبيل بلوغه الأربعين١، وكان يحمل معه من الماء والطعام٢ ما يكفيه لقضاء جزء كبير من شهر رمضان في كل عام، وبين تلك الصخور والرجام، وفي هذا الصمت العميق، ومن خلال تلك الكوة٣ الضيقة كان يطل محمد -صلى الله عليه وسلم- على الدنيا بأسرها، فيطالع عظمة الكون ونظامه ودقته وإحكامه، ثم ينظر مع ذلك إلى أهل مكة وما حولها، فيراهم في الغي سادرين فيستولي على نفسه الضيق والألم، ويتمنى أن لو جاء الحق الذي تسكن له النفوس، وتطمئن به القلوب، وتنجاب أمامه الغياهب والظلمات.

وحينما أراد الله أن يعلي كلمته ويتم على العالمين نعمته، أذن للحق بالظهور لكي يخرج الناس من الظلمات إلى النور، فجاء جبريل الأمين إلى محمد الأمين، وقد بلغ أشده وبلغ الأربعين.

ودخل عليه الغار ومعه صحيفة، فضمه ضمة شديدة حتى بلغ منه الجهد، ثم أرسله وقال له: اقرأ.

فأجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ما أنا بقارئ.

وكرر جبريل هذا العمل والقول ثلاث مرات، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يجيبه بنفس الجواب، فقال له جبريل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ٤.


١ ولما بلغها، لأن الوحي لما نزل عليه كان ابن أربعين، كما جاءت بذلك الروايات المتضافرة الكثيرة.
٢ قيل: هو زيت وكعك.
٣ فتحة صغيرة مستديرة مقابلة لباب الغار تطل على مكة، وعلى الكعبة.
٤ سورة العلق، الآيات: ١-٢-٣-٤-٥ وقد صح هذا عند البخاري ١/ ٢٥، ومسلم ١/ ٩٧، من حديث عائشة الماضي، وعن غيرها عند غيرهما كذلك.

<<  <   >  >>