للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفقد الأمل، ولم تضعف عزيمته فأعاد الوليمة ثانية في الغداة، فلما اجتمعوا قال لهم: "ما أعلم أن إنسانًا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، لقد جئتكم بخيري الدنيا والآخرة، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على هذا الأمر؟ ".

فأعرضوا عنه، وهموا بتركه.

وكان عجيبًا أن ينهض علي وهو لا يزال صبيًًّا، فيقول يا رسول الله، أنا حرب على من حاربت. وحينئذٍ ابتسم بنو هاشم وقهقه بعضهم، وأخذ نظرهم يتنقل بين أبي طالب وابنه، ويقولون لأبي طالب في سخرية: لقد أمرك أن تسمع لابنك وتطيعه. ثم انصرفوا مستهزئين١.

على أن استخفافهم هذا لم يقعده عن عزمه، ولم يسلمه إلى يأس؛ بل انتقل بدعوته من عشيرته الأقربين إلى أهل مكة جميعًا.

واتجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو الصفا٢ يومًا، وصعد إلى أعلاه ونادى: "يا معشر قريش"، فقالت قريش: محمد على الصفا ينادي، وأقبلوا عليه يسألونه عن حاجته. فقال: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بسفح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم. أكنتم مصدقي؟ " قالوا: نعم، ما جربنا عليك كذبًا قط. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة -وأخذ ينادي على باقي القبائل- إني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة


١ ذكر طرق هذه الحادثة في إعادة الوليمة في اليوم الآخر، وكلام علي، الحافظ ابن كثير في "البداية" ٢/ ٣٩-٤٠ وعزاها للبيهقي في "الدلائل"، وابن أبي حاتم في تفسيره، وأحمد في المسند، وكأنه ذهب لتحسينها، والذي أراه تحسينها أيضًا، والله أعلم.
٢ الصخرات التي قرب الكعبة، حيث بداية السعي.

<<  <   >  >>