للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصيبًا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله".

وهنا صاح أبو لهب، وكان رجلًا بذيئًا سريع الغضب: تبًّا لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟.

فسكت محمد -صلى الله عليه وسلم- ونظر إليه نظرة يملؤها الأسى والأسف، ثم لم يلبث أن نزل الوحي عليه بقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ، سَيَصْلَى نَاراًً ذَاتَ لَهَ} ١.

وهكذا دمغه الوحي بهذه الآيات البينات التي كانت بمثابة التشجيع للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- كما كانت سابقة فأل ومقدمة بشارة بأن الله سينصر الحق على الباطل، ويتم نوره ولو كره المشركون.

ولم يكن ذلك الموقف العدائي من مشركي مكة ليهدئ من حماس الرسول -صلى الله عليه وسلم- للدعوة والتفاني في سبيلها؛ بل كان حافزًا قويًّا على النشاط في إذاعتها والمضي في سبيل انتشارها، مؤمنًا كل الإيمان، واثقًا كل الثقة بأن يدي أبي لهب هالكتان، وأنه لن يتمكن من العبث بالدعوة والوقوف في سبيل انتشارها بين أهل مكة، ولقد أسلم من زهد في الدنيا، ومن لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن النظر في هذه الدعوة الجديدة، التي كانت قائمة على التسامح والمحبة والعطف والمودة، والتي كان شعارها الحرية الحبيبة إلى نفس كل عربي يسكن شبه الجزيرة العربية، فلا سلطان لغير الله وحده، أما هبل واللات والعزى وغيرها من الأصنام فهي لا تنفع ولا تضر، بل ولا تغني عن نفسها شيئًا.


١ هذا هو الحديث الذي قدمته قبل قليل عن ابن عباس، وذكرت صحته، ولكن ليس فيه ولا في غيره ما يدل على أنه وقع بعد قصة علي الماضية. وإن كان لا يخفى أنه -صلى الله عليه وسلم- قد دعا قومه طوال تلك الفترة لمرات كثيرة.

<<  <   >  >>