للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون هناك شبهة عند قريش، فهم في كل يومٍ يغدون ويروحون أمامهم، أما إذا غابوا عن الأنظار انكشف أمرهم، كما واعدهم أن تكون المقابلة ليلًا، وأن يكون مكانها عند العقبة، وانتظر مسلمو يثرب حتى انتهى أمر الحج وحان الموعد، فخرجوا من رحالهم بعد انقضاء ثلث الليل مستخفين حتى لا ينكشف أمرهم، ووصلوا العقبة وعلى رأسهم الاثنا عشر رجلًا الذين بايعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- البيعة الأولى وقاموا ينظرون مقدم صاحب الرسالة.

وأقبل محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى المكان المحدد -العقبة- ومعه عمه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذٍ على دين قومه من الشرك، إلا أنه أحب أن يحضر مجلس ابن أخيه ليطمئن ويستوثق له، وكان ذلك قبل الهجرة بشهور وفي سنة ٦٢٢م.

ولما تكامل المجلس كان العباس أول متكلم فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا، وهو في عزٍّ من قومه ومنعة في بلده، وقد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم خاذلوه بعد خروجه إليكم فمن الآن فدعوه، فإنه في عزٍّ ومنعة من قومه وبلده.

قال اليثربيون -وقد سمعوا كلام العباس-:

قد سمعنا ما قلت وإن عزائمنا معقودة على ما أتينا من أجله. فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت.

وعند ذلك تكلم -عليه الصلاة والسلام- وبدأ حديثه بآيات من القرآن الكريم كما كانت عادته قبل البدء في الحديث، ثم دعا إلى الله، ورغب في الإسلام، ثم قال: "أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نسائكم وأبناءكم". فأخذ سيدهم البراء بن معرور وكان له في تلك الليلة المقام الكريم بيد النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: والذي بعثك بالحق لنمنعك مما نمنع منه ذرارينا؛ فبايعنا يا رسول الله، فنحن

<<  <   >  >>