انتهى بهم المطاف إلى مقربة من غار ثور. وقد ساورهم الشك في أن يكون محمد -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه قد لجآ إلى ذلك الغار، فأخذوا يتشاورون فيما بينهم ويتساءلون، وكان على مقربة من الغار راعٍ ...
فلما رآه المشركون سألوه: هل رأيت محمدًا وأبا بكر؟ وهل تعرف أين ذهبا؟
وأجاب الراعي: قد يكونان بالغار ... وإن لم أر أحدًا أمّه.
وسمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر هذا الحديث، وسمعا وقع أقدام المشركين وهم يتقدمون نحو الغار، فاستولى الخوف الشديد على أبي بكر الصديق حتى تصبب عرقًا وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا.
ولكن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يطمئنه ويقول له:"يا أبا بكر ما ظنك في رجلين الله ثالثهما، يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا".
ثم تقدم واحد منهم نحو الغار، ودار حوله وأمعن النظر فيه، فلم يلبث أن عاد أدراجه. وسأله أصحابه: ماذا رأيت بالغار؟ فقال: إن العنكبوت عليه من قبل ميلاد محمد، وقد رأيت حمامتين وحشيتين على فم الغار فعرفت أن ليس فيه أحد، فاعتقد المشركون أن الغار مهجور ورجعوا خائبين١.
وهكذا تتجلى عناية الله ورعايته للرسول -صلى الله عليه وسلم- في كل خطوة من خطواته، وفي ذلك يقول الله -عز وجل:
١ انظر روايات الهجرة عند ابن كثير في "البداية" ٣/ ١٧٧ وما بعدها، "ترتيب طبقات ابن سعد" ١/ ٢٤٩ وما بعدها، "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٢٥ وما بعدها، "جامع الأصول" ٩/ ٤٨٩ وما بعدها، "دلائل النبوة" للبيهقي ٢/ ٤٧١ لأبي نعيم ٢/ ٣٢٥ وما بعدها، "المواهب اللدنية" ١/ ٢٨٦ وما بعدها، "مجمع الزوائد" ٦/ ٥٢ وما بعدها، وغير ذلك.