وأمام الغار وعلى بعد ما يقرب من عشرة أمتار توجد صخرة مرتفعة، وهي التي وقف عليها المشركون حينما كانوا يبحثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
وقد قضينا في هذا المكان نصف يوم، كان في تقديرنا نصف العمر أو العمر كله. ورجعنا بعد ذلك من نفس الطريق الذي جئنا منه؛ حيث ضربت لنا خيمة بسفح الجبل فاسترحنا في ظلها، وتناولنا أقداح الشاي وأقداح اللبن.
قلت لصاحبي -وأنا أجول في أعماق الماضي البعيد: ليت هذه الخيمة كانت خيمة أم معبد؟ وليت هذا اللبن الذي شربناه كان من شاة أم معبد.١ فأجابني قائلا: يا ليت ثم يا ليت، ولكن هيهات هيهات أن يرجع ما فات.
وبعد ثلاثة أيام قضاها الصاحبان في غار ثور، وبعد أن هدأ الطلب وسكن الناس عنهما، أتاهما الدليل: عبد الله بن أريقط، ببعيرين لهما وبعير له، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر بطعامهما.
فلما ارتحلا لم تجد ما تعلق به الطعام والماء في رحالهما، فشقت نطاقها وعلقت الطعام بنصفه وانتطقت بالنصف الآخر، فسميت ذات النطاقين. وتتحدث السيدة أسماء عما أخذه أبوها من ماله في يوم الهجرة، فتقول: لما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر معه خمسة آلاف درهم، وكانت هي كل ماله.