الشريعة بمكة المكرمة. وعلى الرغم من متاعب الطريق الذي كانت تزحمه الرمال السافية والذي غاصت فيه السيارة مرة بعد مرة، ولم تتحرك إلا بعد أن نزل الجميع وعاونوها على المسير، فقد كنا نتجه في طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- ونسير على الدرب الذي سلكه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولذا عادت بنا الذاكرة من خلال القرون الماضية إلى يوم الهجرة النبوية، وتمثلنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خارجًا في ظلام الليل يطارده الظلم بجحافله الجرارة، ويضيء في قلبه الإيمان فيبدد هذا الظلم والظلام، وكنا نتطلع إلى الرمال عسى أن نرى أثرًا من آثاره، ونتسمع إلى الرياح عسى أن تروي لنا خبرًا من أخباره ... وهكذا حتى وصلنا -بحمد الله وتوفيقه- إلى جبل ثور.
ولقد كان هذا الجبل يختلف عن جبل حراء، لأنه جبل تسلمك قمته إلى سفح جبل آخر. فكأن الصاعد إلى غار ثور سوف يتسلق جبلين، ويبذل من الجهد مثل ما بذل في جبل حراء مرتين. ولقد عاوننا بعض الطلاب المرافقين لنا على الصعود، وكأنما كانت تشدنا إلى غايتنا قوة سحرية حتى وصلنا إلى هذا المكان الخالد١، ووقفنا أمامه خاشعين متأملين. والناظر إلى هذا الغار لأول وهلة يروعه جلال عجيب، ويسيطر على نفسه شعور غريب، فهو قبة كبيرة من الصخر مجوفة من الداخل ويتسع لأكثر من ثلاثين رجلًا، وبابه ضيق لا يستطيع أحد أن يدخله إلا حبوًا، على يديه ورجليه، وسقفه منخفض لا يزيد ارتفاعه عن متر ونصف متر، وأمام الباب فتحة واسعة تبلغ ضعف فتحة الباب.
وقد وسعها بعض الأمراء المسلمين ليدخل منها الضوء وتسهل دخول الناس، وكان هذا عملًا بعيدًا عن الصواب.