للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قباء، واتجه إلى المدينة، حيث كان الأوس والخزرج -وهم الأنصار- يحيطون به عن يمين ويسار وقد تقلدوا سيوفهم وامتلأت نفوسهم بالبشر والسرور، فكانت لحظات خالدة في تاريخ المدينة، وكان يومًا عظيمًا في تاريخ الإسلام، وخرج النساء والصبيان في جو من النشوة والفرح تتردد فيه الأناشيد الجميلة.

ثم سار في المدينة في موكب من النور، وكلما مر الرسول -صلى الله عليه وسلم- على دار من دور الأنصار، دعاه أهلها للنزول عندهم، وأخذوا بزمام ناقته فيقول لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "دعوها فإنها مأمورة".

ولم تزل سائرة حتى بركت في محلة من محلات أخواله بني النجار أمام دار أبي أيوب الأنصاري، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "ههنا المنزل إن شاء الل هـ، {رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ} [المؤمنون: من الآية: ٢٩] ". فاحتمل له أبو أيوب رحله فوضعه في منزله وخرجت ولائد من بني النجار يقلن:

نحن جوار من بني النجار ... يا حبذا محمد من جار

فقال عليه السلام: "أتحببنني"؟ فقلن: نعم. فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "إن قلبي يحبكن". واختار عليه الصلاة والسلام النزول في الدور الأسفل من بيت أبي أيوب ليكون أريح لزائريه. ولكن أبا أيوب -رضي الله عنه- كره ذلك وأبى إلا أن ينزل الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الطابق الأعلى إكراما وإعزازًا لشأنه١.


١ طبقات ابن سعد ١/ ٢٥٩ ترتيب طبقاته وقد أخرجه من وجوه، وأخرج القصة ابن إسحاق من حديث أبي أيوب نفسه، كما عند ابن هشام ٢/ ١٤٤، وهي عند البيهقي ٢/ ٥١٠ ومسلم في صحيحه ص ١٦٢٣. وأخرج القصة البيهقي في "الدلائل" ٣/ ٤٩٩ وما بعدها، من مرسلات عروة بن الزبير. ومن حديث أنس بن مالك كما في "البداية" ٣/ ١٩٩ لابن كثير، ثم قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه لم يروه أحد من أصحاب السنن، وقد أخرجه الحاكم في مستدركه انتهى.
قلت: نزوله في دار أبي أيوب صح في البخاري ٣٦٩٩ دون ذكر تفصيل القصة. وفي سنن الترمذي وقعت القصة وصححها، من حديث أبي أيوب ٤/ ٢٦١.

<<  <   >  >>