للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإلى هذا الحادث العجيب يشير الله تعالى بقوله في سورة الفيل:

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} .

وبذلك يتبين لنا مدى الخطأ الذي وقع فيه بعض العلماء الذين أنكروا الطير والحجارة، وقالوا إن الله -عز وجل- يريد بالطير الرياح المتجمعة، وبالحجارة ذرات التراب التي حملت ميكروب الجدري، فإنه لم يعهد في لغة العرب أن يقال عن الرياح: إنها طير أبابيل أي جماعات من الطير، ولا ينبغي أن يقال ذلك إلا بطريق مجازي بعيد، ولا يصح أن يلجأ إلى مثل هذا المجاز ما دامت الحقيقة غير مستحيلة على قدرة الله١، وكذلك الذرات من التراب، لا يقبل في لغة العرب أن يقال عنها حجارة من سجيل، أي من طين مطبوخ بالنار وهو الآجر.


= "١/ ١٧٤" وغيرها- بسند حسن عن عبيد بن عمير، وكان أدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يشهد الواقعة.
ج- عن عثمان بن المغيرة بن الأخنس قال:
"كان من حديث أصحاب الفيل أن أبرهة الأشرم الحبشي كان ملك اليمن، وأن ابن ابنته أكشوم خرج حاجًّا، فلما انصرف من مكة نزل بكنيسة بنجران، فغدا عليها أناس من أهل مكة فأخذوا ما فيها من الحلي، وأخذوا متاع أكشوم، فانصرف إلى جده الحبشي مغضبًا ... فذكر نحو حديث ابن إسحاق المتقدم غير أنه قال:
فأخذ مائة ناقة لعبد المطلب".
وهذا شاهد مرسل حسن، وأخرجه أبو نعيم في "الدلائل" ١/ ١٤٥-١٤٨ وقال: رويت قصة أصحاب الفيل من وجوه، وسياق عثمان أتمها وأحسنها شرحًا.
وهذه الروايات الثلاث تؤيد رواية ابن إسحاق وتقويها. وثمة روايات أخرى.
١ ولأنه لا يجوز العدول عن ظاهر الكلام لمعنى مجازي إلا بقرينة، فكيف إذا كانت القرينة تمنع من ذلك؛ لأن المقام مقام إعجاز.

<<  <   >  >>