للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} ١.

هذا الأمر أمر للملائكة بالضرب والقتل. ومعنى ذلك أن الله إنما قضى بإنزالهم للضرب والقتال ...

ويذهب البعض الآخر إلى أن الملائكة إنما نزلت لتثبيت قلوب المؤمنين وتقوية الروح المعنوية لديهم، وأنهم لم يشتركوا في القتال، وحجتهم في ذلك أن الملك الواحد يكفي لإهلاك أهل الأرض جميعًا٢ ...

هذا الرأي هو الذي تميل إليه النفس، وتؤكده القرائن والدلائل التي لا يتطرق إليها الضعف والوهن٣، وذلك لأمور كثيرة:

أولها: أن الملك الواحد يستطيع إهلاك الكفار جميعًا في لحظة واحدة فلماذا ينزل الله ألفًا من الملائكة٤؟

وثانيها: أن الله لو قدر للملائكة أن تشترك بالفعل في القتال، لما كان هناك


١ سورة الأنفال، الآية ١٢.
٢ قال القسطلاني في "المواهب اللدنية" ١/ ٣٦٣.
قال الشيخ تقي الدين السُّبكي: سُئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أن جبريل -عليه السلام- قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه.
فقلت: ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وتكون الملائكة مددًا على عادة مدد الجيوش، رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى، والله فاعل الجميع انتهى.
قلت: وهذا كلام صحيح، والله أعلم.
٣ نعم هو صحيح بنص القرآن، لكن الآخر صحيح صريح أيضًا، فالواجب الأخذب الأمرين، لا سيما وأنه لا تعارض، والقول بأحدهما فقط فيه إبطال للدليل بغير حجة.
٤ وقد تقدم جواب السُّبكي على هذا، من وجه.
ومن وجه آخر، فإن هذا فيه رد الأحاديث الصريحة الصحيحة بالهوى والتعنت.

<<  <   >  >>