للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى الانسحاب والصمود في الجبل بعد أن قتل منهم سبعون شهيدًا، وقد قتل في هذه الغزوة حمزة بن عبد المطلب، ومثلت به هند زوج أبي سفيان بعد قتله -رضي الله عنه- فبقرت بطنه وأخرجت كبده فمضغتها بأسنانها ثم لفظتها. وقد حزن الرسول -صلى الله عليه وسلم- على عمه أشد الحزن وسجاه ببردته -صلى الله عليه وسلم- وصلى عليه ثم دُفن ودُفن معه سائر الشهداء حيث لقوا مصارعهم.

وقد روى ابن إسحاق١ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رجل ينظر إلى ما فعل سعد بن الربيع؟ أفي الأحياء هو أم في الأموات؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا. فنظر فوجده جريحًا في القتلى وبه رمق. فقال له: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أنظر أفي الأحياء أنت أم في الأموات؟ فقال: أنا في الأموات، فأبلغ رسول الله


١ وهو عند مالك في "الموطأ" ٢/ ٤٦٦ بسند معضل.
وقد قال الزرقاني في شرح "الموطأ" قال ابن عبد البر: هذا الحديث لا أحفظه ولا أعرفه مسندًا وهو محفوظ عند أهل السير، وقد ذكره محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المازني.
وقال الحافظ ابن حجر: وفي الصحيح ما يشهد لبعضه، انتهى.
قلت: وانظر الحديث في "أسد الغابة" ٢/ ٢٩٤، و"الاستيعاب" ٢/ ٥٩٠ وغير ذلك.
وقد ذكر ابن كثير في "البداية" ٤/ ٣٩ عن الواقدي أن الرجل الذي التمس سعدًا بين القتلى هو محمد بن سلمة، ونقل عن "الاستيعاب" لابن عبد البر أنه أُبي بن كعب. مع أن الذي نقله ابن الأثير أنه أبو سعيد الخدري. ورأيت البيهقي في "الدلائل" ٣/ ٢٨٥ أسند الحكاية عن ابن إسحاق، عن محمد بن عبد الله به.
وعند الحاكم سند لابن إسحاق لهذه الحكاية مغاير، ففي "المستدرك" ٣/ ٢٠ سنده عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الرحمن عن أبيه ... فذكره، وهو مع كونه مرسلًا صحيح الإسناد، لكنه مخالف لسند ابن إسحاق في هذه الواقعة.
وأما قول ابن عبد البر أنه لم يقف عليه من وجه مسند، فقد وقفت عليه من وجه مسند عند الحاكم ٣/ ٢٠ من حديث زيد بن ثابت، وصحح إسناده الحاكم ولم يتعقبه الذهبي بشيء، ولا في "السير" ١/ ٣١٩، ورجال سنده فيهم من لم أعرفه، كما ذكرت في "الدرك".
لكن بكل حال يقوي حصول الحكاية، ويفيد ما لم يعرفه ابن عبد البر. والله أعلم.

<<  <   >  >>