ومن أجل ذلك دبروا أمرهم وأحكموا مكرهم، وتفننوا في أساليب الإغراء والترغيب حتى خدعوا يهود بني قريظة، وأخرجوهم عن الولاء لمحمد -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، فبدت البغضاء من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر.
ويروي المؤرخون في ذلك: أن حيي بن أخطب زعيم بني النضير أتى كعب بن أسد القرظي زعيم بني قريظة.. فلما سمع به كعب أغلق باب حصنه دونه.
فاستأذن حيي عليه فأبى أن يفتح لها فناداه: ويحك يا كعب، افتح لي يا كعب، افتح لي. قال: ويحك يا حيي إنك امرؤ مشئوم، وإني قد عاهدت محمدًا فلست بناقض ما بيني وبينه، ولم أر منه إلا وفاءً وصدقًا. قال: ويحك افتح لي أكلمك. قال: ما أنا بفاعل. قال: والله ما أغلقت بابك إلا خوفًا على جشيشتك أن آكل معك منها فغضب كعب حينما سمع هذه الكلمة وفتح له، فقال: ويحك يا كعب، جئت بعز الدهر وبحر طام، قال: وما ذاك؟ قال: جئتك بقريش على قادتها وسادتها وبغطفان على قادتها وسادتها، وقد عاهدوني وعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمدًا ومن معه.
فقال كعب: جئتني -والله- بذل الدهر. وبجهام١ قد أريق ماؤه، يرعد ويبرق، وليس فيه شيء ويحك يا حيي. فدعني وما أنا عليه، فإني لم أر من محمد إلا وفاءً وصدقًا.
وقد ظل حيي يستميل كعبًا إليه بشتى الحيل والأساليب ويحرك فيه عاطفته الدينية حتى غلبته يهوديته، بل غلبته شقوته فنقض العهد، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إخاء وولاء، وتبعه في ذلك يهود بني قريظة جميعًا.