ولما انتهى الخبر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى المسلمين، بعث سعد بن معاذ وهو -يومئذٍ- سيد الأوس، وسعد بن عبادة وهو -يومئذٍ- سيد الخزرج، ومعهما رجلان، وقال:
"انطلقوا حتى تأتوا هؤلاء القوم فتنتظروا: أحق ما بلغنا عنهم؟ فإن إن كان حقًّا فالحنوا لي لحنًا أعرفه ولا تفتوا في أعضاد المسلمين، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس".
قال: فدخلوا حتى أتوهم فدخلوا معهم حصنهم ودعوهم إلى الموادعة وتجديد الحلف، ولكنهم قابلوهم بالسباب والمشاتمة، ونالوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأساءوا، وقالوا: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد.
فلما رجعوا إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأخبروه، هاله الآمر وآلمه، ولكنه كان مطمئنًا إلى نصر الله وتأييده، وما دام هؤلاء اليهود من بني قريظة قد بدءوا بالغدر والخيانة فسوف يحيق بهم مكرهم {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} ١.
وقد عظم الكرب واشتد بلاء المسلمين حينما عرفوا ذلك الموقف من هؤلاء اليهود وحينما رأوا أنهم بدءوا فعلًا يقطعون معاونتهم للمسلمين، وحينما وجدوا أن الأحزاب قد انتهزوا فرصة نقض هؤلاء اليهود لعهدهم وبدءوا يستعدون لهجوم عنيف من فوق الوادي، ومن جنبه، ومن جهة الخندق.
أجل لقد عظم الكرب واشتد البلاء بالمسلمين، ومرت بهم لحظات مريرة وأوقات عصيبة، وأخذت الوساوس والظنون تطوف بنفوسهم، وبل تملأ نفوس البعض منهم، حتى لقد خيل إليهم أن الأحزاب عمّا قليل سيدخلون المدينة