للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد وردت آثار كثيرة في فضل هذا الحجر، وفيها ما يدل على أنه من الجنة، ولا بد لنا أن نقف أمام هذه الروايات وقفة الفاحص المتأمل، حتى يمكن أن يظهر الحق أمامنا وحتى يكون حكمنا متمشيًّا مع روح العدل والإنصاف، فلقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الحجر والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة طمس الله نورهما، ولولا أن الله طمس نورهما، لأضاءا ما بين المشرق والمغرب" ١.

وفي رواية أخرى٢: "لأضاءا ما بين المشرق والمغرب ولأبرآ من استلمهما من الخرس والجذام والبرص".

وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضًا من اللبن فسوَّدته خطايا بني آدم" ٣.

ويذكر العلامة تقي الدين الفاسي رواية أخرى عن ابن عباس تتعارض مع


١ أخرجه أحمد في "المسند" ٢/ ٢١٣، والترمذي ٨٧٨، وابن خزيمة في صحيحه ٢٧٣٢ وابن حبان كذلك ٣٧١٠، والحاكم في "المستدرك" ١/ ٤٥٦، والبيهقي في "السنن الكبرى" ٥/ ٧٥، وعبد الرزاق ٨٩٢١ وجماعة.
وقد اختلف العلماء فيه، فصححته طائفة، وضعفته أخرى، وقالت ثالثة: الصحيح أنه موقوف على عبد الله بن عمرو كأبي حاتم مثلًا في "العلل" رقم ٨٩٩ لولده.
فأما قول ضعفه مطلقًا فليس بجيد لمجيئه من عدة طرق ضعيفة تقتضي التحسين.
وكذا التصحيح، ليس بجيد فالحديث لا يبلغ ذلك، ولكن بقيت علة الوقف قائمة.
فإن كان ابن عمرو لم يأخذ ذلك عن أهل الكتاب، فمثل هذا لا يقال بالرأي، فيرجع لحكم الرفع، وإلا فلا.
٢ أخرجها البيهقي في "السنن الكبرى" ٥/ ٧٥ من وجهين، اجتماعهما قوي، وله شاهد عن ابن عباس عند الطبراني بسند حسن كما قال المنذري في "الترغيب" ٢/ ١٩٤.
٣ أخرجه الترمذي ٨٧٧ وقال: حسن صحيح، وابن خزيمة في صحيحه ٢٧٣٣- ٢٧٣٤، وغيرهما، ولفظ ابن خزيمة: "أشد بياضًا من الثلج".
وهو حديث حسن باجتماع طرقه، صحيح باجتماع شواهده.

<<  <   >  >>