للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرواية السابقة المذكورة عن ابن عباس نفسه إذ يقول: "وإنما غيره الله بالسواد؛ لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة وإنه لياقوتة بيضاء" ١.

وهذه الروايات وأمثالها تحمل في طياتها ما يهدمها٢. إذا يعارض بعضها بعضًا، ثم هي في ذاتها لا تقوم على أساس ولا تستهدف غرضًا سليمًا٣، فأما تعارضها فلأن الروايتين المذكورتين عن ابن عباس تفيد إحداهما أن الحجر كان أشد بياضًا من اللبن ثم اسود بذنوب بني آدم وخطاياهم.

وأما الثانية فإنها تفيد أنه اسود قبل أن يطوف به أحد٤، أي أن الذنوب والخطايا لم تغير بياضه إلى سواد، وإنما أراد الله ذلك حتى لا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة حينما يرون الحجر وهو ياقوتة بيضاء.

وأما أنها لا تقوم على أساس، ولا تستهدف غرضًا سليمًا، فلأن قيمة هذا لا تزداد إذا كان من أحجار الجنة ولا تنقص إذا كان من أحجار الأرض، ذلك بأن قيمة الشيء إنما تكون في الجوهر لا في العَرَض، وفي اللباب دون القشور٥.


١ هذه الرواية أخرجها الجندي في "فضائل مكة" بسند ضعيف، كما ذكر ابن حجر، ونقل ذلك عنه الزبيدي في "إتحاف السادة المتقين" ٤/ ٣٤٤.
ثم إنه لا تعارض مؤكد بين الروايتين كما ذكر المؤلف وإنما فيه بيان الحكمة التي لأجلها قضى الله تعالى أن تغيره الخطايا وتسوده.
ثم على فرض وجود تعارض -وهو غير موجود- فلا عبرة به؛ لأن من شرط المعارض أن يساوي معارضه في الصحة، لا أن يكون أحدهما صحيحًا والآخر واهيًا، فعندئذٍ لا تعارض.
٢ كذا قال، وقد عرفت ضعف ما قاله.
٣ هذا من أعجب العجب، وكيف لا يكون حديث فيه بيان فضل الحجر، وعظم أثر الذنوب، وبعث الشوق الكامن لزيارة المقدسات يستهدف غرضًا سليمًا!!.
٤ لا أدري من أين استفاد ذلك، وجملة ما فيه أنه غيّره، من غير ذكر وقت التغيير.
٥ هكذا يضل العقل إذا سمح للخيال أن يطلق الأسماء والصفات، ويسمى ما يريد قشرًا، ويسمى آخر لبًّا.
ثم كيف يجرؤ مسلم بعد ثبوت النص على رده بمزاعم وافتراضات..... =

<<  <   >  >>