للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالذهب وسط التبر هو الذهب وسط التراب، والحصى بين اللآلئ الغالية هو الحصى بين الرمال السافية.

والكعبة المشرفة قد بنيت من أحجار الأرض ومع ذلك فهي بيت الله الذي يشع بالهدى والنور، ويسمو على ما في الجنة من بيوت وقصور١، ثم ما هي الحكمة في أن ينزل الله من الجنة ياقوتتين مضيئتين ثم يطمس نورهما؟ إنهما إذن يفقدان خاصيتهما الكريمة وينزلان إلى مستوى الحصى والتراب، أو ما كان الأجدر أن يظلا ياقوتتين مضيئتين ليكونا آية الله الخالدة على الزمن، والمنارة الهادية التي تجلو غواشي الشك وتبدد ظلمات الحيرة٢؟ ثم ما هي العلاقة بين


= ولا ينقضي عجبي من رد المؤلف لهذه الروايات جميعها، بهذه السفاسف التي اعتمدها، ولم ينطق بها أحد من علماء المسلمين لمخالفتها قواعد العلم وحكمة التشريع. إلا ما جاء عن بعض الملاحدة كما يقال الحافظ ابن حجر حين قال:
وقد طعن بعض الملاحدة فقال: كيف سودته الخطايا، ولم تبيضه الطاعات.
فأجيب بأن الله تعالى أجرى عادته أن السواد يصبغ ولا ينصبغ وبات في ذلك عظة ظاهرة هي تأثير الذنوب في الحجارة، فالقلوب أولى ... "إتحاف السادة المتقين" ٤/ ٣٤٤.
أقول: فهل هذه الموعظة البليغة من القشور.
وهل الإعجاز في نزول حجر من السماء إلى الأرض يختص بالكعبة من القشور.
ثم ما هذه أضحوكة الجوهر والعرض، على أنها تخالف قول المؤلف؛ لأن المشتغلين بالفلسفة يقدمون الجوهر على العرض، والجوهر هنا أصل الحجر، والعرض ما ينبعث منه، فقصة الجوهر والعرض ترد على المؤلف ولا تؤيده.
وما أرى له هنا مثلًا إلا كقول القائل: "فخر عليهم السقف من تحتهم"، فقلنا له: حجة ولا قرآن.
١ وهنا نسأله، هل جاء على هذا بنص صريح صحيح، وإن صح، فما علاقة سمو الكعبة المشرفة، بأن لا يكون فيها حجر من الجنة!!.
٢ هذه حكمة يجهلها من لم يعرف مقاصد الشريعة، واسمع هذا النقل الآتي: وقد صح في صحيح البخاري وغيره "١٠٥٢" من حديث ابن عباس في صلاة الكسوف، باب صلاة الكسوف جماعة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إني رأيت الجنة، فتناولت عنقودًا، ولو أصبته لأكلتم ما بقيت الدنيا ... "، الحديث قال الحافظ ابن حجر في الشرح ٢/ ٥٤١:
وصح عند مسلم عن جابر: "ولقد مددت يدي وأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ثم بدا لي أن لا أفعل"، ثم قال ابن حجر يعدد الأقوال في حكمة ذلك: وقيل: لأنه لو رآه الناس لكان من إيمانهم بالشهادة لا بالغيب، فيخشى أن يقع رفع التوبة، فلا ينفع نفس إيمانها بعد ذلك ...
قلت: فهذه حكمة من تلك الحكم فافهم ولا تغلط ولا تغالط.

<<  <   >  >>