للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم خرج في طلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أدركه حين نزل تبوك١.

وقعد عن الجهاد قوم من المنافقين كانوا قد أظهروا الإسلام ولما يدخل الإيمان في قلوبهم. وكانوا بضعة وثمانين رجلًا غلبت عليهم شقوتهم، وأصاخوا٢ لدعوة الشيطان فتركوا دون عذر ميدان الجهاد، لأنهم يحبون العاجلة، وهم أحرص الناس على حياة، ويظنون أن أمرهم سيخفى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا رجع المسلمون من ميدان الجهاد قاسموهم في السراء دون الضراء، وشاركوهم في المغانم دون أن يشاركوهم في المغارم.

ولم يتخلف عن الجهاد من المؤمنين المخلصين سوى هؤلاء الثلاثة الذين نتحدث الآن عنهم، وهم الذين سماهم الله في كتابه العزيز: {الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} ٣. ومعنى خلفوا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- خلفهم، أي أرجأ أمرهم إلى أن يقضي الله فيهم بأمره٤.

ولقد أخطأ هؤلاء الثلاثة، ثم لم يلبثوا أن تابوا ورجعوا الله الله وأنابوا، فقبل الله توبتهم وغفر لهم خطيئاتهم: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} ٥.

فقد روى لنا كعب بن مالك قصته وقصة صاحبيه، منذ تخلفوا عن ركاب إخوانهم المؤمنين المجاهدين إلى أن انجلى ليل محنتهم، وآذن الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- بقبول توبتهم.


١ انظر قصة أبي خيثمة في "سيرة ابن هشام" ٤/ ١٣٣، و"دلائل البيهقي" ٥/ ٢٢٣، و"البداية" ٥/ ٨ وغير ذلك.
٢ أي استمعوا وأنصتوا.
٣ سورة التوبة، الآية ١١٨، وقصتهم في الصحيحين كما مضى.
٤ هذا تفسير كعب نفسه كما صح في البخاري ومسلم.
٥ سورة البقرة، الآية ٢٢٢.

<<  <   >  >>