للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول كعب١: إنه كان ينتقل في المدينة منذ خرج إخوانه للجهاد، فيحزنه ألا يرى في طرقاتها إلا طفلًا صغيرًا، أو رجلًا ضريرًا، أو شيخًا مهيض الجناح ليس عليه في تخلفه جناح٢. ولا يرى أحدًا قد تخلف من الرجال الأقوياء سوى أهل النفاق والرياء.

ويقول كعب: إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- حين رجع من تبوك دعاني حتى جئت بين يديه، فسألني عن أمر تخلفي وهو يتبسم تبسم المغضب. فاعترفت بذنبي ولم أفتر الكذب وأختلق الأعذار، كما فعل غيري من المتخلفين المنافقين، ثم دعا صاحبي إليه، فاعترفا بذنبهما، وإذ ذاك أمهلنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى يقضي الله فينا بأمره، ونهى الناس عن كلامنا حتى تنكرت لنا الدنيا وتغيرت، وضاقت علينا الأرض بما رحبت، ولم يعد لنا ملجأ من الله إلا إليه.

ويقول كعب: إن ملك غسان النصراني حينما بلغه نبأ محنتي، كتب إلي يستميلني إليه قائلًا:

أما بعد: قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك.

وكأنما أراد الله أن يزيد في ابتلائي بمثل هذا الكتاب، هل أفتتن بالدنيا وزخرفها فأستجيب لدعوة ذلك الملك النصراني، حيث أقضي أيام الحياة بين العيش الناعم والفراش الوثير، وليكن بعد ذلك في الآخرة ما يكون؟ أم أصبر على ما يحيط بي من المتاعب والآلام مهما تتابعت وتلاحقت طمعًا في رحمة الله


١ قال المؤلف: تصرفنا في نقل كلام كعب وكتبنا معظمه بأسلوبنا الخاص في حدود المعاني التي ذكرها كعب.
٢ أي: إثم.

<<  <   >  >>