للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وانتظارًا لمغفرته ورضوانه، وإيثارًا للآخرة حيث السعادة والنعيم والملك الكبير؟

ولكني اخترت الباقية دون الفانية وآثرت الآجلة على العاجلة، فقمت إلى كتاب الملك الغساني فأحرقته في التنور، وفوضت أمري إلى الله الذي إليه تصير الأمور.

ويقول كعب: إن محنتنا استمرت خمسين يومًا متتابعة، ما كان أطولها وأقساها، ولكننا لم نجد ملجأ من الله إلا إليه، فصبرنا صبرًا جميلًا، وجاهدنا أنفسنا جهادًا طويلًا، حتى بدل العسر يسرًا، وجعل لنا من الضيق فرجًا ومن الهم مخرجًا، فآذن رسوله -صلى الله عليه وسلم- بغفران خطيئتنا وقبول توبتنا.

وجاءنا البشير بذلك فأتينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسرعين، فوجدنا وجهه يبرق من السرور، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر، وإذا به يتلو قول الله -عز وجل: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} ١.

وهكذا كانت غزوة تبوك خاتمة غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدها أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة مغتبطًا بما أفاء الله عليه، مطمئنة نفسه بهذا النصر الذي وصل إليه.

أما أولئك المنافقون البضع والثمانون فإنهم حينما رجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الجهاد قابلوه يحلفون بالله إنهم معذورون، والله يشهد إنهم لكاذبون، فلم يلبثوا حتى


١ سورة التوبة، الآيات ١١٧-١١٨-١١٩.

<<  <   >  >>