للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخنس الشيطان، وزالت دولة الأوثان، ودوى صوت المؤذن بالتكبير في أرجاء البلد الأمين.

والآن وبعد عامين من هذا الفتح العظيم يشهد هذا الطريق محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يتوجهون إلى مكة وقد أصبح العشرة آلاف مائة ألف أو يزيدون، وهكذا ينتصر الحق فينمو ويزيد، وهكذا يزهق الباطل، وما يبدئ الباطل وما يعيد.

ولم تطل بنفوس المسلمين هذه الخواطر حتى وصلوا إلى ذي الحليفة فنزلوا بها وأقاموا ليلتهم، حتى إذا ما أصبحوا أحرم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحرم المسلمون معه، وبدت هذه الألوف المؤلفة في زي واحد، ومظهر واحد، ومنطق واحد، قد كشفوا عن رءوسهم الغطاء، ولبسوا الإزار والرداء، وانطلقوا يهتفون من أعماق قلوبهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك. فيا لله لعظمة الحق والإيمان، وما أروعه من نبأ اهتزت له البطحاء، وسبحت به الحصباء، وباركه رب الأرض والسماء.

ولما بلغ القوم سرف١ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "من لم يكن منكم معه هدي٣ فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا". ثم بلغ الحجيج مكة في اليوم الرابع من ذي الحجة٣، وأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون من بعده إلى الكعبة، فاستلم الحجر الأسود وقبله، ثم طاف بالبيت سبعًا، هرول في الثلاثة الأولى منها، ثم صلى عند مقام إبراهيم، ثم عاد فقبل


١ مكان على ستة أميال من مكة.
٢ المراد: من ساق الهدي، وليس المراد امتلاك ثمنه.
٣ في "صحيح البخاري": أنه قدم مكة لخمس خلون من ذي الحجة.

<<  <   >  >>